إلزامية الاحكام النهائية للجميع بين نص دستوري ، ومقتضي قانون التنظيم القضائي
من المعلوم ان القاعدة الدستورية تتميز بسموها وتموضعها في قمة الهرم القانوني ، مما يجب علي الجميع الانصياع لها ، باعتبارها وثيقة تعاقد اجتماعي وسياسي تحدد قواعد ممارسة مختلف اجهزة الدولة لسلطاتها.
وغني عن البيان ان القاعدة القانونية تستمد قوتها من القاعدة الاعلي مرتبة منها، مما يتعين معه ان لا تتعارض مع احكام الدستور وفق ما ينص عليه احكام الفصل السادس منه الذي ينص في فقرته الثالثة علي ان” دستورية القواعد القانونية ، وتراتبيتها ، ووجوب نشرها ، مبادئ ملزمة” وهو مايثبت بالملموس صدارة الوثيقة الدستورية ، وإهدارها ما يتعارض معها.
ومع بداهة ووضوح ما سلف التنويه والاشارة اليه سالفا، غير انه يبدو في تقديري المتواضع ان احكام الفقرة الثالثة من المادة 15 من قانون التنظيم القضائي انتهكت احكام الدستور بتنصيصها علي ما يلي:
” لتطبيق احكام الفقرة الاولي من الفصل 26 1 من الدستور ، تكون احكام القضاء القابلة للتنفيذ ملزمة للجميع”
فالنص الدستوري كرس قاعدة عامة تشمل جميع الاحكام القضائية النهائية ، وجعلها ملزمة للجميع، دون تمييز ما بين القابلة للتنفيذ منها او غيرها، بخلاف مقتضي نص الفقرة 3 من المادة 15 سالفة الذكر، التي ولكي تنسجم مع مراميها احدثت تعديلا علي المقتضي الدستوري المذكور يعد انتهاكا له حينما أزاحت ما اشترطه من ان تكون الاحكام نهائية واكتفت ( بالحكم القضائي القابل للتنفيذ) متاثرة بما تشترطه قواعد قانون المسطرة المدنية عند مباشرة قواعد التنفيذ الجبري ،بمعني ضرورة توّفر طالب التنفيذ علي سند تنفيذي ، بصرف النظر عن صيرورة الحكم نهائيا من عدمه..
فالفقرة المشار اليها من المادة 15 سالفة الذكر ادخلت تعديلا عميقا علي نص دستوري، والادهي بدون مناسبة،وهو ما استدعي مني اثارة جملة من الملاحظات المتواضعة في هذا الخصوص، لعلها تكون حافزا لاثارة نقاش في مستوي أهمية وراهنية النص وارتباطه الوثيق بممارسة الحق في الدفاع.
حول تجاوز المادة 15 لمجال قانون التنظيم القضائي:
لكون المادة وردت في سياق احكام الفصل الثالث من قانون التنظيم القضائي الواردة بدورها ضمن احكام الباب الاول المتعلق بمبادىء التنظيم القضائي وقواعد تنظيم عمل الهيئات القضائية ، اي في خضم مواد بعيدة كل البعد عن معالجة الاثار القانونية المفترض إنتاجها من طرف الاحكام القضائية .
هذا، فضلا علي ان مجال قانو ن التنظيم القضائي ينحصر فحسب ،كما هو معروف،في العناية بتحديد مجموع القواعد التي تنظم احكام محاكم السلطة القضائية ، حسب نوع المحاكم واختصاصها، وتشكيل هيئاتها، ،اي انه قانو ن ينظم النشاط القضائي بغاية حماية حقوق المتقاضين في اشكاله الخارجية، ولا علاقة له بترتيب القيمة القانونية للاحكام الذي اختار المشرع عند سنه قانو ن الالتزامات والعقود منذ ازيد من قرن علي ان تضم جنباته قواعد الاثبات بما في ذلك الاحكام بطبيعة الحال، وهو ما سنتعرض اليه لاحقا.
حول مدلول الاحكام القضائية النهائية:
يبدو ان المشرع واضع قانو ن التنظيم القضائي اختار اضفاء صبغة الاحكام القضائية الالزامية علي الاحكام القابلة للتنفيذ فحسب، وفسر نصا دستوريا ملزما للجميع ، بكيفية ضيقة، دون تبرير .
ومع الاعتراف بدقة الاشكال القانوني الذي كان مطروحا علي السلطة التشريعية لتحديد مدلول الاحكام القضائية النهائية ،بصرف النظر علي كوّن احكام الفقرة الاخيرة من المادة 15 من القانون المذكور أتت خارج سياق النص، مثلما سلف ذكره، فان ما تضمنه النص الدستوري يكرس مبدءا عاما يجعل من الاحكام المذكورة ، ملزمة للجميع من منظور ان اي حكم صادر في خصومة مدنية ،يشتمل ، وفق ما هو معروف، علي شطرين ، الاول يهم ما خلصت اليه المحكمة مصدرته ، بعد تيقنها من ثبوت او عدم ثبوت وقائع معينة، فيعتبر في مدلول الفصل 450/3 ق ل ع قرينة قانونية علي ما اثبته في هذا الصدد، وتعفي من تقررت لمصلحته من كل إثبات ، ولذلك يكون حجة ، في هذا الجانب ، في مواجهة الجميع.
غير ان هذه القرينة تعد قاطعة بين الخصوم ، فلا يمكن إثبات ما يخالفها.( الفصل 453/ 2 ق ل ع )
وهي قرينة غير قاطعة بالنسبة للغير الذي يحق له اثبات ما يخالفها.
اما الشطر الثاني من الحكم ، فهو ألذ ي يكتسي في واقع الامر صبغة الإلزام في مواجهة المحكوم عليه في حدود ما قضي به منطوقه، وتكون حجيته نسبية عملا باحكام الفصل 451 ق ل ع الذي يشير الي ان قوة الشيئ المقضي به لا تثبت الا لمنطوق الحكم ، واستثني الوقائع .
ويترتب عن هذا امر بالغ الأهمية ،مفاده انه يحق للجميع التمسك بقوة الامر المقضي به للحكم ، باعتباره عنوان الحقيقة ، بينما لا يجوز التمسك بسبقية ألَّبت في النزاع سوي من أطرافه.
وبناءا عليه ، يكون الحكم حجة علي الجميع بما اثبته من وقائع الي حين اثبات العكس، وهو ما يتلائم مع احكام الفصل 418 ق ل ع الذي يجعل من الاحكام القضائية المغربية والأجنبية ، ان تكون حجة علي الوقائع التي تثبتها، حتي قبل ان تكون واجبة التنفيذ ، فهي ملزمة للجميع بهذا المعني،وهو ايضا ما ينسجم مع القراءة السديدة لنص الفصل 126 من الدستور، اذ لا يمكن بداهة الزام غير المحكوم عليه علي تنفيذ حكم لم يكن طرفا فيه، مما يجعل من التعديل الذي أدخلته عليه المادة 15 غير ذي جدوي،بصرف النظر عن انها وردت خارج سياق النص وعدم دستوريتها، لاسيما وانه أزاح جملة من الاحكام القضائية من سياق النص الدستوري، دون أدني تبرير مسوغ، كما هو الحال بالنسبة للاحكام التي لا تخضع للتنفيذ الجبري(الاحكام المنشأة ،الاحكام التقريرية، الاحكام المعدلة لالتزام قانوني،،)
← الرجوع إلى جميع المقالات