استقلال السلطة القضائية وتطبيق القانون
اغبطتني الفكرة الرئسية لمقال زميلي المحترم ذ امغار الذي اتسمت كتاباته بالمسؤولية والقدرة علي التحليل. هذه الفكرة تتمحور حول استقلال السلطة القضائية وتطبيق القانون.
ولأهمية الموضوع، من جهة، وراهنيته، من جهة اخري، رغبت الإدلاء بهذا التعقيب، في محاولة لإثراء النقاش.
واستهل الموضوع بالقول ان القاعدة القانونية مصدرها تص قانوني ، ينظم بصياغة مستوعبة ودقيقة الفكرة التي يعالجها، فهو ، ان شئنا ، اللغة التي تعتبر اداة تعبير المشرع ، لتتصف بالتجريد والتعميم.والقضاء يستنبط القاعدة القانونية انطلاقا من النصوص القانونية المتناثرة التي تفرز أسسا متعارف عليها، تحت رقابة محكمة النقض في حالة إساءة تأويلها او تطبيقها علي النحو المنصوص عليه قانونا في الفصل 359 /5 ق م م .
علي انه في حالة غياب النص الصريح فان للمحكمة ( المدنية) الاستناد علي المبادئ القانونية العامة في القانون وفق ما كرسه الاجتهاد القضائي والفقه، عبر الاسترشاد بجوهر القانون ( القانون الطبيعي او العدل). وقد يؤدي تواتر الاحكام في عدد من الحالات المتشابهة الي انشاء قاعدة قانونية.وعلي سبيل المثال فان الفقرة الاخيرة من المادة 160 من مدونة التجارة تنص علي ان” الكمبيالة التي تنقصهااحدي البيانات الالزامية ، تعد غير صحيحة، ولكنها قد تعتبر سندا عاديا لإثبات الدين، اذا توفرت شروط هذا السند”هي قاعدة قانونية صنعها القضاء وعلي راْسه قضاء محكمة النقض.
ان القاضي هو الذي يصنع العمل القضائي سواء بتطبيق حرفي للقانون ، او عند مباشرة سلطته التقديرية. ولا ريب ان القاضي يسعي الي تفسير النص القانوني الواجب التطبيق علي النازلة المعروضة عليه ، قبل إصدار حكمه، ويمر في ذلك ، في المرحلة الاولي، بما يمكن تسميته بالمعاينة، اي ادخال النزاع المعروض عليه في الغرض من القاعدة القانونية، مع ملاحظة الدور المتنامي للقاضي واتساع سلطته لتشمل كل المجالات، اذ لم يعد دوره قاصرا علي تطبيق القانون علي النزاع المعروض عليه.( الاعتراف بدور القاضي في تكملة العقد من طرف الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض مؤخرا في نازلة هامة، وبقرار مبدئي ، علي سبيل المثال، وقد وجهت انتقادات ،اعتبرها غير وجيهة، مؤداها انها تخرج القاضي عن اختصاصاته بدعوي ان العقد هو مجال المتعاقدين) يقول الفقيه السنهوري في هذا المجال ان اكثر من نصف قواعد القانون المدني الجديد هي من خلق القضاء في ظل التقنين المدني.
ومن المؤكد ان القاضي يتاثر ، خلال قيامه بالتفسير، بعدة عوامل ، من ضمنها ، او علي رأسها بعقيدته الثقافية، مستعينا بمجهوده وعلمه، توسلا الي تحقيق حل عادل للنزاع، كما يتاثر القاضي بعدة معطيات وعلي رأسها الظروف والمعطيات الحقيقية للنزاع، ومدي حسن نية أطراف النزاع ، او علي العكس ، مدي مكرهم، وإخفاء حقيقتهم، عبر الاستعانة ، علي سبيل المثال، بمظاهر كاذبة، لتضليل جمهور واسع ، ولو عبر استعمال أدوات الاعلام، بإشاعة أنباء كاذبة وتقديم تحاليل غير صادقة،لمجرد انها تخدم اجندة معينة، او الالتفاف علي تعاليم الشريعة السمحاء، واستغلال الدين، او استغلال وضع الهيمنة الاقتصادية علي مساعديه لإجبارهم علي الخضوع لأهواء رئيس المقاولة،مع ان قانون المنافسة يمنع ذلك علي التكتلات الاقتصادية الضخمة بصدد مزاولة أنشطتها الاقتصادية، وبالاحري ان تتم ممارستها في مقاولات متواضعة، تزاول أعمالا غير اقتصادية، غير ربحية، حسب المروج له.
← الرجوع إلى جميع المقالات