القضاء وتغيير الأغلبية الحاكمة باسبانيا
عرفت اسبانيا مؤخرا زلزالا سياسيا نتج عنه الإطاحة بحكومة الحزب الشعبي اليميني التي كان يرأسها اروخوي،حينما صوت البرلمان لفائدة ملتمس الرقابة الذي تقدم به الحزب الاشتراكي المعارض بتاريخ 25 ماي المنصرم ، مستندا في ذلك علي الحكم الذي اصدره القضاء الاسباني الذي قضي بإدانة عدد من القياديين المنتسبين للحزب وآخرين بعقوبات سجنية، واالحزب المذكور كشخص اعتباري لاستفادته من أموال مشبوهة المصدر، وليس هذا فحسب، بل وايضاً تضمن الحكم تشككا في مصداقية رئيس الحكومة السابق بسبب ما جاء في شهادته عند الاستماع اليه امام القضاء بخصوص نفس القضية.
وهكذا ولأول مرة في الحياة الديموقراطية التي تعيشها اسبانيا بعد وفاة فرانكو ، تمت ازاحة الحكومة عن مقاليد الحكم عبر ملتمس رقابة كرس رغبة نواب الأمة في أغلبيتهم في تغيير حكومة اثبت القضاء تورط بعض قياديي الحزب الذي تنتمي اليه في عمليات فساد ورشوة والتستر عليها.كما انه ولأول مرة في الحياة السياسية الاسبانية يتولي مقاليد رئيس الحكومة شخص لم ينجح في انتخابات تشريعية جرت خلال سنتي 2015 (دجنبر) و 2016 ( جوان) وهو ما لم يفت أروخوي من اثارته آملا احداث ثغرة في سلامة تعيين بدور سانشيز في رآسة الحكومة دون جدوي،طالما ان الحكومة معززة بدعم أغلبية نيابية.
خلال مناقشة ملتمس الرقابة ، فضل اروخوي الانزواء في احد مطاعم حي الكالا الراقي بمدريد لتناول الغذاء والعشاء مع البعض من وزرائه ، اذ دام الاكل وما جاوره ثمان ساعات ، كانت كافية لتحقيق الحزب الاشتراكي الذي يملك فريقا نيابيا من 84 نائبا أهدافه ، بفضل انضمام حزب بوديموس الشعبوي ( 71 ) نائبا ونواب أقلية ( تمثل احزاب جهوية بما في ذلك حزب كاطالاني)الي الحزب الاشتراكي ،وأسفر عن انتصار ملتمس الرقابة بما مجموعه 180 صوتا ضد 169 صوت لنواب الحزب الشعبي وإمساك صوت واحد عن التصويت.
وبالعودة الي أسباب وحيثيات ملتمس الرقابة يتبين ان الحزب الاشتراكي والعمالي الاسباني ينسب الي أسيد اروخوي كل المسؤولية عن ما اسماه حالة « الانذار الاجتماعي »السائدة والمترتبة أساسا عن تداعيات الحكم الصادر في قضية ( كورطيل). وحسب رئيس الحزب الاشتراكي فان الحزب الشعبي وضع اسبانيا في وضعية أزمة سياسية بالغة الخطورة ، وان ملتمس الرقابة يهدف الي اخراج السياسة من هذه الرواية السوداء القائمة علي الرشوة والفساد، حتي يجوز الحديث عن روح المواطنة، وحقوق المواطنين وحرياتهم.
وأضاف انه كان علي اروخوي تقديم استقالته مباشرة بعد صدور الحكم سالف الذكر، ونتيجة عدم قيامه بذلك، فان الحزب الاشتراكي قرر تقديم ملتمس الرقابةقصد استرجاع لفائدة الديموقراطية التي أضحت محل مسائلة بفعل سياسات الحزب الشعبي.
هذه المعطيات والتطورات التي عصفت بالحزب الحاكم السابق لم تكن لتحدث بهذا الحجم والقوة والوقت الوجيز لولا الحكم الموما اليه الذي صدر بتاريخ 24 من شهر ماي المنصر عن ما يمكن تسميته بالمحكمة الوطنية audiencia nacional التي تم إنشاؤها بقانون صادر سنة 1977 تحت رقم 1 منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 5/1/1977 اي في السنوات الاولي لميلاد الحياة الديمقراطية الاسبانية بعد وفاة الجنرال فرانكو، وتتمتع بأوسع الاختصاصات للبت في قضايا مهمةللغاية كقضايا الاٍرهاب والجريمة المنظمة وتبييض الأموال.
فيحق القول إذن ان هذه المحكمة ولدت تماما مع ميلاد الديموقراطية باسبانيا.
ولإدراك مكانة المحكمة الوطنية في هرم النظام القضائي الاسباني ، نكتفي باقتباس ما ورد في موقع السلطة القضائية الاسبانية الذي جاء فيه بهذا الشأن ( لولا هذه المحكمة لما أمكن وجود نظام قضائي حقيقي) وبصدور الحكم المشار اليه ، يمكن القول ، وبدون مبالغة، ان القضاء الاسباني اسدل الستار علي اهم نازلة عرضت عليه منذ تأسيس السلطة القضائية الحالية في ضوء ثوبها الجديد الذي البسه لها القانون التنظيمي الصادر في 1/7/1985 مع تعديلاته ،في قضية تورط فيها العديد من قيادات الحزب الشعبي ،،لها علاقة وثيقة ومباشرة بأساليبه في ممارسة الحكم، وتهم تحديدا الرشوة والفساد .
وهكذا قضت المحكمةبالعقوبات التي تهم بعض الشخصيات الوازنة ، كالتالي:
51 سنة سجنا علي المسمي فرانسسكو كوريا الذي ازداد في الدارالبيضاء ، الذي لم يكن سوي عامل بأحد الفنادق حتي متم ثمانينات القرن الماضي، غير ان حياته انقلبت رأسا علي عقب بعد انتقاله الي مآربيا سنة 1997 وعقد زواجه هناك، وتمكن من عقد صداقات وثيقة مع أعضاء من الحزب الشعبي، وبواسطتهم تمكن من الفوز في انتخابات جماعية. ، والحصول لاحقا علي صفقات بكيفية غير مشروعة، سواء بكيفية غير مباشرة ، او عبر أشخاص آخرين وسطاء، سيما في مناطق تعود للحكومات المحلية بمدريد او فالانسي.
38 سنة و3 أشهر سجنا في حق كيرمو اورطيكا الذي سبق ان تولي منصب رآسة بلدية wajadahonde التي تعتبر من اغني المناطق التابعة لجهة مدريد بسبب توسعها العمراني الكثيف، وتجول الأورو !
ومن مميزات هذا الرجل انه لم يضع في منصب رئيسة ديوانه سوي زوجة السيد كوريا المذكور أعلاه المعتبر انه الشخص الاول في تراتبيةشعبة الحزب الشعبي المختصة في ارتكاب. الأفعال الجرمية التي أدينوا من اجلها.وتولت هذه السيدة بكل اقتدار المهام التي كلفت بها، فتورطت في الحصول لمشغلها المذكور علي ماقد ره 2.560.000 اورو كعمولات نتيجة وسطا، مما اضطر معه الي الاستعانة ببنك سويسري!
37سنة و6 أشهر سجنا علي المسمي بابلو كرسبو الذي انتمي للحزب الشعبي هو الاخر في تسعينيات القرن الماضي ، شغل منصب برلماني حتي 15/9/1998عن منطقة بونطفدرا الكائنة بإقليم غالسياالذي ينتمي اليه اروخوي ،أسس عددا من الشركات المتوسطة ، وتمكن من الحصول علي صفقات عمومية بفضل الانتماء الحزبي، فأغتني بكيفية غير مشروعة علي حساب المواطن مستغلا انتماءه للحزب الشعبي.
33 سنة و4 أشهر سجنا علي لويس بارزناس المعتبر الماسك لحسابات الحزب الشعبي الي غاية سنة 2009. وقد ثبت قضائيا ان هذا الماسك للحسابات كان يتوفر علي علي موازنتين، احداهما رسميةوالاخري موازيةتتضمن المبالغ الحقيقيةالتي كان يتوصل بها من عدد من التابعين بكيفية غير مشروعة. تجدر الإشارة في هذا الصدد ان التلفزيون السويسري أذاع يوم 3/5/2013 خبرا مفاده اكتشاف جرائم مالية متمثلة فيما أثبتته الأبحاث التي قامت بها النيابة العامة بجنيف من العثور علي صندوق اسود ضخم يحتوي علي ما قدره 30 مليون اورو تعود للحزب المذكور.
وحكم ايضا علي زوجته روسلليني ايكلسياس ب15 سنة سجنا.
اما الحزب هو نفسهه فلم يفلت من العقاب بسبب ما اشرت اليه سالفا، وللمشاركة، وحكم عليه بإرجاع مبلغ 245.492،8 اورو من اجل مصاريف انتخابية في بنثويلا وماخاداهوندا.
ان ما تم تسطيره أعلاه يبرهن علي ان القضاء المستقل النزيه يعد ضمانة لا يستغني عنها لإرساء الديموقراطية، وصمام امن للمجتمع ، ولولا هذا التدخل الذي قام به القضاء الاسباني ،بكل شجاعة دون ان يأبه لمركز رئيس الحكومة السابق الذي شكك في شهادته ، او لوزن المتابعين ، في نطاق ما هو موكول اليه بمقتضي الدستور والنظام الاساسي للسلطة القضائية لكانت لا تزال جاثمة علي صدر المواطن حكومة فاسدة .فاستقلال السلطة القضائيةًوقدرتها علي ممارسة مهامها بشجاعة وقوة هو ركيزة استقرار ووسيلة لضمان النظام العام لأي مجتمع في كافة تجلياته.
← الرجوع إلى جميع المقالات