تأملات فيروس "كورونا" ، حرب بيولوجية ؟
فجأة لم نعد قادرين على السخرية.
فالمكان معد لكي يستضيف الهباء .
( محمود درويش )
نعيش جميعا وضعا إنسانيا فريدا لم يسبق له مثيل في العقود الأخيرة ، و أصبح العالم في حالة حرب على حد تعبير الرئيس الفرنسي ، دون ان نعلم متى تنتهي ، اذ ما نعلمه ان الجميع محجور في منزله ، لا يخرج منه سوى لقضاء ما هو ضروري .
فمنذ بداية العام الجديد أخذت ملامح ” فيروس كورونا ” تظهر في الأفق بالصين لتنتقل بعد ذلك الى كل انحاء المعمور لتفجر حربا فيروسية فتاكة تجتهد الحكومات لوقف أثرها و انتشارها ، وهو ما ذكرنا بما حدت في التاريخ الحديث بالأنفلونزا الاسبانية التي حصدت حوالي 50 مليون شخص في عشرينيات القرن الماضي أي أزيد من ضعف ضحايا الحرب العالمية الأولى.
دفع تفشي الفيروس بكيفية سريعة و حصد الآلاف من الضحايا في وقت و جيز حتى اضحى جائحة ، المواطنون المغاربة الى الهلع ، في ظل تدني مستوى اعلامنا الذي لم يتعاطى مع هذه الكارثة بجدية و احترافية لتحليل أسباب ذات مصداقية لظهور الوباء بكيفية دقيقة و صريحة ، من شأنها توعية المواطن بالوباء و بكيفية تطوره و خطورته مما كان من شأنه ، و لا ريب ، أن ينعكس على سلوكياتهم و تصورهم العام منذ بداية تفشي الوباء ، مقارنة مع ما تحفل به القنوات الإعلامية الغربية و صحافتها ، فاختفت من التدخلات الإعلامية المعلومات الكافية بإشفاء غليل المشاهد او المستمع، سيما مع ما تردد بقوة من احتمال تورط أجهزة مخابرات دول معينة في تدبير هذه الحرب البيولوجية لربما لكبح جماح تقدم المارد الصيني الذي يطمح لتكريس تفوق عسكري ، صناعي و تكنولوجي ما حق في السنين القليلة القادمة و إزاحة الولايات المتحدة عن مكانتها القيادية الحالية .
لقد انبهر العالم بلا شك بالنجاح المنقطع النظير الذي حققته الصين في وقف تقريبي لانتشار الوباء ، و إنقاذ أرواح ما يقرب من 80 الف مواطن صيني تعافوا بسبب كفاءة عالية للطب الصيني ، و لم تكن الصين لتحقق هذه النتيجة التي اندهش لها العالم لولا توفرها على إمكانيات علمية رفيعة و قوة اقتصادية هائلة لدرجة انها تمكنت من بناء مستشفى ضخم بمدينة “ووهان ” في ظرف وجيز لا يتعدى ثمانية ايام فضلا عن انضباط الشعب الصيني و امتثاله التلقائي لتعليمات قيادته.
و بذلك يبدو جليا حقيقة المساهمة الفعالة للدكتاتورية الصينية في تحقيق نتائج باهرة شهد بها العالم ، في الوقت الذي لا زالت تتعثر فيه مجهودات ديمقراطية عريقة بالقارة العجوز ، و تتخبط في الاسترتيجيات المثلى لبلوغ هدف اسدال حماية صحية لمواطنيها، و ذلك مثلما يتجلى في نزوع بريطانيا ، و الى حد ما السويد ، الى اعتناق نظرية التحصين الجماعي مما يعني وجوب رفع الحواجز عن انتشار الفيروس حتى تتقوى مناعة السكان من منظور مخططي هذه الاستراتيجية.
لقد شكل ظهور وباء ” كورونا ” منعطفا في تاريخ البشرية الى حد أن البعض من المفكرين يعتبرون هذا الظهور بمثابة اعلان لحقبة تاريخية جديدة قد تكون من ملامحها البارزة توظيف الفيروس لتحقيق ما فشل فيه الإرهاب و الحروب التقليدية و ذلك عبر استخدامه في حروب بيولوجية تنتقي أهدافا محددة تتجاوز نطاق اهداف حروب الجيلين الرابع و الخامس.
و لربما كان انخفاض سعر البترول الى حدود قياسية و ما رافق ذلك من تدهور أسواق البورصة في العالم على نحو غير مسبوق مؤشرات جدية على دخول الرأسمالية المتوحشة التي يقودها الرئيس ترامب عصرا جديدا لتجديد بشرتها بالانطلاق عبر استثمارات جديدة تحافظ قدر الإمكان على تبوءها مكانتها المرموقة الحالية قبل أن تزيحها الصين قريبا.
في هذا الخضم المتلاطم من الاحداث المتسارعة المشوبة بأعلى درجات الهلع عند المواطنين ، انبرى ، من جهة ، بعض رجال الدين لتفسير هذا الظهور المباغت لفيروس ” كورونا ” بالقول أنه دليل على قرب يوم القيامة لأن هذا الظهور، في تصورهم ، ليس سوى أحد علامات قرب قيام الساعة ، فساهم الوباء في حصول اتفاق غير مسبوق بين رجالات الدين الشيعة و السنة في بلورة هذا التصور مثلما تجلى في تصريحات أئمة المذهبين الشيعي و السني. إذ ورد ، على سبيل المثال، في تصريح لرجل الدين الشيعي الإيراني علي رضا بناهيان ” أن ظهور الوباء يعتبر مقدمة لظهور امام آخر الزمان ” و مثلما ورد أيضا في تصريح رجل الدين السعودي صالح المغامسي أفصح عنه في فضائية ” ام بي سي ” و ورد فيه : ” أنه جاء في بعض الأحاديث، أنه من أشراط الساعة أن ريحاً باردة تخرج من اليمن وتقبض المؤمنين، وكان الإنسان يقول كيف تقبض الريح أرواح المؤمنين ” ، كما انبرى عدد من الدجالين لاستغلال المناسبة لبث أفكار مسمومة عبر تحريف تعاليم ديننا الحنيف السمحة قصد محاولة استغلال الفيروس لتحقيق مآرب سياسية غير آبهين بخطورة افعالهم ، و دون أي اكتراث بالمصالح العليا للوطن .
بينما ، من جهة أخرى ، أثار انتباه بعض المحللين استعانة إيطاليا التي تعد من الدول السبع الأكثر صناعية في العالم بخدمات فريق طبي كوبي للمساهمة في القضاء على وباء ” كورونا ” بعد أن استخدمت أحد الادوية بكوبا بالصين لهذه الغاية و يدعي 2b interféron alpha الذي استخدم بنجاعة ضد الالتهابات الرئوية مثل نقص المناعة البشرية و التهابات الكبد، و ذلك على الرغم من الحصار الأمريكي على الجزيرة ، كما سبق للبعض منهم أن لاحظوا استعانة إيطاليا بخدمات طاقم طبي صيني ، لنفس الغاية ، مما حدا بأحد الصحفيين الايطاليين ” لأفوريا بوتشو ” الى التعليق على ذلك بالقول ” أنه من وجهة نظر سياسية من المثير أن تطلب روما من البلدين اللذين اعتبرتهما ديكتاتوريات دموية المساعدة بعد أن خذلها الحلفاء الأوروبيين ” ، الامر الذي سيكون حافزا، حسب اعتقادي ، للمفكرين للتأمل في مدلول هذه الوقائع ، و مدى انعكاسها على مفاهيم الديموقراطية الغربية وقدرتها في استمرار استجابتها لتطور العصر وفي تحقيق طموحات فئات عريضة من المواطنين في الكرامة و التمتع بحقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية بمراعاة أن عدد من هؤلاء المفكرين سبق لهم أن عبروا عن القلق أمام ما أضحى يسمى بأزمة الديمقراطية لعجزها عن تلبية فئات شريحة واسعة من المواطنين في الدول الديمقراطية العريقة التي تشهد تنامي الاحتجاجات الشعبية المناهضة لسطوة و استبداد الرأسمالية المتوحشة ، وهو لربما ما دفع بمفكر فرنسي كبير ( دومنيك روسو ) الى القول ” أن الديمقراطية تتنافى مع فكرة التمثيلية البرلمانية و القطيعة مع السوق” ( P8 Radicaliser La Démocratie –Ed – seuil 2015–) .
كل المعطيات الراهنة و المتجددة المحيطة بمجتمعنا أصبح مهددا بخصوص آفاق نموه الاقتصادي التي كانت تتوقعها الحكومة للسنة الجارية 3,7% بدل معدل 2,9% في السنة المنصرمة ، فظلال فيروس ” كورونا ” و الجفاف تخيمان على قطاعات إنتاجية واسعة و تكاد تشل الحركة الاقتصادية ، و انعكس ذلك بشكل سلبي على نمط عيش المغاربة الذين أخذوا ينظرون بقلق الى المستقبل، و لذلك كان لإحداث الصندوق الخاص بتدبير جائحة ” فيروس كورونا ” بمبادرة ملكية كريمة ، و ما تلته من مساهمات وازنة من طرف العديد من الفاعلين الاقتصاديين ، وقع محمودا للغاية ، و ساهم الى حد بعيد في طمأنة المواطنين و في تحصين الوطن و قدرته على مجابهة الآثار السلبية للوباء ، و بالخصوص في تأسيس مناعة ذاتية في منأى عن كل تأثيرات خارجية تحاول المساس باستقلالية القرار السياسي المغربي، و القدرة على مجابهة تحديات خطيرة و غير متوقعة .
و يجدر حقا التنويه بالتدخل الواسع للسلطات الحكومية المختصة بتدبير قطاع الصحة و تجندها للقيام بواجبها بتفان لمجابهة فيروس قاتل لا يأبه للحدود او للأشخاص و يعرض الأطباء و الممرضين سلامتهم لمختلف الاخطار رغم تواضع الإمكانيات المتاحة، مما ينبغي الإشادة بمواطنتهم ، مثلما هو الحال عليه أيضا ، على وجه الخصوص برجال الأمن .
و لعل هذه الظروف العصيبة ستستدعي التفكير الجدي في ادخال تغيير حقيقي على مستوى إدارة الدولة للقطاع الصحي و اعتباره أحد روافد التنمية مادام أنه الموكول اليه المحافظة على صحة المواطنين أي الرأس مال البشري القادر على تحقيق تنمية مستدامة ، و بناء وطن للجميع ، وهو ما يستوجب أيضا اسهام مواطن متعلم مؤمن بقيم المواطنة الحقة ، متشبع بالعلم و المعرفة في منأى عن سيطرة أفكار قائلة للحياة ، الامر الذي لا يمكن تحقيقه سوى في نطاق تعليم عمومي مستنير يلجه كل مواطن.
و لذلك فإن هذا الوباء الخطير و الفتاك الذي أثبتت ظهوره المباغت وهن الكائن البشري امام مختلف النكبات سيكون مناسبة ، في تصوري ، لإعادة النظر في العديد من السياسات العمومية سيما ما يتعلق بقطاعي التعليم و الصحة في نطاق الدور الموكول الى اللجنة المكلفة بتحقيق نموذج جديد للتنمية، لتتمكن بمشاركة المواطنين المتشبعين بقيم العدالة الاجتماعية و التقدم و العلم من بناء وطن قوي خال من الفقر و الجهل يكون قادرا على مجابهة فيروسات تزداد تطورا و فتكا أي حروب بيولوجية يسلطها من يستفيد منها بعد أن فشل في تسليط الإرهاب و الاستثمار فيه.
← الرجوع إلى جميع المقالات