ترامواي القدس و مسؤولية الشركات المشيدة
سيكون من المناسب التذكير في بادئ الامربالقانون الفرنسي الذي صدر مؤخرا ( 27/3/2017)الذي يلزم الشركات الفرنسية التي تشغل علي الاقل 5000 عامل بفرنسا او علي الاقل 10000 عامل في بقاع العالم اعداد ما سمي بمخططالاحتراز او اليقظة والعمل علي نشره، ويحتوي الزاميا علي بيانات بشأن التدابير الاحترازية الكفيلة بعدم المساس الخطير بحقوق الانسان والحريات الاساسية ، والصحة وسلامة البيئة . والتنصيص علي الإجراءات الواجب اتخاذها للتقليص من حدة المخاطر او الوقاية منها.
ومن جهة اخري، تلزم المبادئ العامة التي اقرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية( o.c.d.e) ، التي انضم اليها المغرب مؤخرا،الشركات والمقاولات بوجوب احترام حقوق الانسان في الأماكن التي تزاول أنشطة بها، ومعايير القانون الدولي الإنساني في حالات قيام نزاعات مسلحة او احتلال.
لكن يبدو جليا ان عددا من المقاولات الفرنسية لاتابه سواء بهذه الاحكام او باحكام المعاهدات الدولية ذات الصِّلة عبر مشاركتها في بناء خطوط الترامواي بالقدس رغم ان الشرعية الدولية ،دون الغطرسة الترامبية الزائلة، تعتبرها مدينة محتلة. والانكي ان القضاء الفرنسي في نازلة متعلقة ببناءنفس جزء من الخط ( الاول، المسمي الخط الأحمر)الذي تم إنهاء تشييده في سنة 2011بمشاركة عدد من الشركات الفرنسية ،اصدر في ماي 2011حكما عن ابتدائية نانطر وأيدته استئناف فرساي ، الذي ولئن اعترف بالطابع غير الشرعي لاحتلال القدس الشرقية،غير انه رفض مطالب المدعيين وهمامنظمة التحرير الفلسطينية وجمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية،التي كانت ترمي الي الحكم ببطلان عقد بناء الخط المذكور المبرم بين الشركات الفرنسية ، الستون، س.ج. ا.وشركات إسرائيلية ،نظرا لعدم شرعيته وشرعيةسببه، مؤسسا قضاؤه علي كوّن خرق المواثيق الدولية ( معاهدة جنيف ولاهاي،،) لا يترتب عنه قيام التزام مباشر تجاه تلك الشركات ، بمعني ان الاحتلال الاسرائيلي لاراضي فلسطينية وإبرام الحكومة المحتلة لصفقة بناء الخط لا تمنع من مواصلة تشييد ه ! من الثابت ان سلطة الاحتلال الاسرائيلي تصر علي مواصلة فرض سياسة الامر الواقع ، يشجعها في ذلك التأييد المنقطع النظير لإدارة الرئيس ترامب وميلاد الحلف الصهيوني العربي،ولذلك فإنها تسرع في وتيرة بناء خطوط تراموي القدس، من اجل قضم ما يقرب من 200 كلم مربع من الاراضي الفلسطينية وإلحاقها بما يسميه نتنياهو القدس الكبري،اذ الهدف منه هو ربط المواصلات بين مستعمرات شرق القدس ووسط المدينة،دون ان يقدم أية خدمة تذكر لفائدة الفلسطينيين رغم أعدادهم الكبيرة وسوء الخدمات المقدمة اليهم، وذلك علي حد ما جاء في التقرير الرفيع المستوي ،والموثق بكل المرجعيات الحقوقية ،المنجز من طرف المركزيات النقابية الفرنسية وعصبة حقوق الانسان الفرنسية وجمعية التضامن الفرنسية الفلسطينيةالمنشور في موقعها الالكتروني.
هذا التقرير الذي قدم ادلة ملموسة ، سيما في الفقرة 11-1- 1 لإثبات ان جزءا هاما من شبكة الترامواي الجاري تشييده تمر عبر الاراضي الفلسطينية، لتقف محطات وصولها في المستوطنات الإسرائيلية بالقدس الشرقية. كما تضمنت هذه الوثيقة تذكيرا بقرارات الشرعية الدولية وعلي رأسها القرارالصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 23/12/2016(إبان حكم اوباما الذي اتحد معسكر نتنياهو والصهاينة العرب علي التنديد به والترحيب بالرئيس الملهم لصفعة القرن ! ) وكذا القرارات الصادرة بخصوص القدس تحديدا ( عدد: 478/ 476/252)وكلها اجمعت علي اعتبار عدم شرعية عمليات الاستيطان الإسرائيلية ، مما ينزع صبغة السيادةعن اسرائيل علي الاراضي الفلسطينية، وما يترتب عنه من وجوب تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني في هذه الحالة، وقواعدالقانون الدولي المتعلقة بحقوق الانسان ،وكذا معاهدة جنيف المتعلقة بحماية حقوق المدنيين خلال فترة الحرب، التي تمنع مصادرة أملاكهم، وتجعلها أفعالا خطيرة بمدلول المادة 147 منها، وتندرج ضمن جرائم حرب حسب تعريف المادة 8 من قانون المحكمة الجنائية الدولية.
مع التذكير ان محكمة العدل الدولية سبق لها ان أصدرت بتاريخ 9/7/ 2004 فتوي هامة للغاية حسمت بعدم مشروعية الجدار العنصري الذي اقامته اسرائيل في عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة الذي يرمي ،من ضمن أهدافه،الي تقليص الساكنة الفلسطينية بالقدس الي 22% بدل 35% والي اقل من ذلك ، في سبيل تهويد المدينة. وحسب راي المحكمة فان الدول ملزمة بعدم منح أية شرعية لوضع تم خلقه عبر خرق خطير لقواعد القانون الدولي. وقد سبق لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ان عبر في عدة مناسبات عن قلقه العميق بخصوص بناء خط الترامواي بالقدس، وطالب ضمنيا بوجوب وقف ذلك.
ان قواعد القانون الدولي الإنساني ،الذي هو احد فروع القانون الدولي العام،تعتبر واجبة التطبيق من الدول،وإذا كانت معاهدة جنيف سالفة الذكر تخاطب الدول، فإنها تلزمهم باتخاذ كل الإجراءات الضرورية لكي تحترم احكام المعاهدة من طرف الاشخاص التابعين لها، وهو ما يتبين بوضوح ايضا من الدليل الذي انجزته منظمة لصليب الأحمر الدولي وجاء فيه ان كل مقاولة تتابع أنشطتها في منطقة تعرف نزاعا مسلحا يجب عليها مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني.وحسب تعريف صادر عن الامم المتحدة فان مدلول مشاركة مقاولة في انتهاك حقوق الانسان يعني “تورطها المباشر في المساس بحقوق الانسان ، سيما اذا ساهمت مباشرة وعن علم عن طريق الغير في خرق حقوق الانسان.ولذلك ادخلت تشريعات اوربية مؤخرا تعديلات هامة علي تشريعاتهالتكريس قواعد القانون الدولي الإنساني، في سبيل معاقبة كل من تورط في خرق تلك القواعد سواء كان مسيرا او مقاولة. فالمادة 31 مكررة من القانون الاسباني ، علي سبيل المثال، الصادر بتاريخ 9/6/2010 المعدلة بمقتضي القانون الصادر بتاريخ 30/3/2015تضمنت لأول مرة مقتضيات خاصة لمعاقبة زجرية للكيانات القانونية مثلما هو عليه الحال في تشريعات أنجلوسكسونية واليابان والبرازيل.
ونظرًا لجموح البشرية في الأحقاب الاخيرة الي التعاطي بجدية مع موضوع حقوق الانسان ليقين المجتمع الدولي بخطورة تداعياته، مثلما هو ثابت منن الأزمة السورية، فقد انبرت تيارات سديدة من الاجتهاد القضائي الي التوسع في في تطبيق العقوبات الرادعة علي كل مقاولةتنخرط في أنشطة اقتصادية في مناطق تعرف منازعات ناتجة عن احتلال، مثلما هو عليه وضعية الاراضي الفلسطينية،بحكم سهولة انسياب المعلومات عن اوضاع سكانها،وبحكم لاشرعية المحتل الاسرائيلي ،مما نتج عنه شرعية متابعة مسير شركة لا يراعي بل لا يراعي قواعد القانون الدولي الإنساني، ويستثمر في تلك الاراضي ،علي حساب حقوق أصحابها، وعلي حساب معاناتهم.
وفِي سياق متصل ، اصدر مجلس حقوق الانسان بجنيف قرارا بتاريخ 20/3/2018 طلب بمقتضاه جميع الدول تطبيق المبادئ المتعلقة بالمقاولات ذات العلاقة بحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية بما يعني وجوب وقف أنشطتها الاستثمارية هناك، غير ان الشركات الفرنسية المعنية بهذا القرار لم تأبه بذلك رغم ان البعض منها شركات مختلطة تمتلك فيها الدولة جزءا من رأسمالها ( سسترا،ايكيز،، علي سبيل المثال) في اللقاء الذي تم مؤخرا بين الرئسين الفرنسي والاسرائيلي أعرب فيه الرئس ماكرون عن الموقف الفرنسي التقليدي من النزاع الفلسطيني الاسرائيلي بالقول ان فرنسا متشبثة بحل الدولتين ، وبالقدس كعاصمة،،،،لكن الوقائع والاحداث تبرهن علي انخراط شركات فرنسية ، البعض منها تملك فيها الدولة الفرنسية نسبة هامة من رأسمالها،،في اشغال بناء خط الترام بالقدس ،،ضد قواعد القانون الدولي ، والقانون الدولي الإنساني، في تشجيع منقطع النظير لسياسة العدوان الاسرائيلي،، فعن أي حل للدولتين يتحدث الرئيس الفرنسي في هذه الظروف،،وعن أية مصداقية يمكن ان يحظي بها عند الشعوب المظلومة،،؟
← الرجوع إلى جميع المقالات