جريمة قتل السائحتين الاسكندينافيتين وضرورة اعداد مخطط وطني لمواجهة الاٍرهاب
اعتقد ان الملاحظة الاولي الممكن استخلاصها من الجريمة الإرهابية التي تم ارتكابها مؤخرا من عدد من المجرمين الذين ألقي عليهم القبض بفضل يقظة رجال الأمن وتعاون المواطنين ، ان الاٍرهاب يطور استراتيجيته لتتلائم مع المعطيات الظرفية السائدةحينما اختار ارتكاب العمل الإرهابي في منطقة نائية ومهمشة ، بخلاف كل ما هو متوقع،كما اختار كضحييتين سائحتين من عشاق الطبيعة والحياة، رغبتا من زيارة المكان تامل جمال الثلوج التي تكسو الجبال وعظمة الخالق، في سبيل تحقيق اكبر وقع ممكن علي السياحةوواد نموها علي مستوي السياحة الجبلية، علي الاقل، والإضرار بالتالي بصورة المغرب الخارجية، وبالخصوص بمصدر معيشة سكان المنطقة الذين يعتمدون في دخولهم علي هذه السياحة.وهذا الاختيار ، في حد ذاته، اعلان عن فشل الاٍرهاب الوصول الي أهداف كبري بعد نجاح الأجهزة الأمنية في القبض علي العديد من الإرهابيين، والقضاءعلي خلاياهم.
وبالرغم من هذه المحدودية، فان هذه الجريمة النكراء يجب اعتبارها جرس إنذار للمسؤولين وللمواطنين، بخطورة التهديد الإرهابي للمغرب الذي لا تخفي عن احد ان أهدافه هو زعزعة الاستقرار، وإضعاف الدولة، باستغلال ماكر لبعض مظاهر الفساد ،وانتشار الفقر المدقع في مناطق الهامش.
ولا يخفي ان منطقة الصحراء الكبري والغرب الأفريقي أضحت مرتعا لعصابات الإرهابيين وملاذا لهم بعد افول نجمهم واندحارهم من الاراضي الواسعة التي سيطروا عليها بالعراق وسوريا بدعم من قوي إقليمية معروفة،وسيطرتهم علي اجزاء شاسعة بليبيا،ويتخذون من هذه المنطقة بؤرة جديدة للانتشار والتموقع حسب تخطيط المنفذين والآمرين، مستغلين شساعةالمساحة، ووعورة مسالكها،وصعوبة مراقبة تحركاتهم، ناهيك عن ضعف الدولة، ومن ثم فان هذه التطورات تدفع ولا شك الي وجوب الرفع من درجة اليقظة عند الجميع، والرفع من درجة الترقب والحذر سيما وان مراكش التي وقع في نواحيها الحادث الإرهابي المذكور تستقطب العديد من السياح بمناسبة احتفالات عيد السنة .
من المبكر اجراء تقييم كامل لملابسات هذه الجريمة النكراء، بيد انه يبدو واضحا، وللوهلة الاولي، انه وعلاوة علي اختيار منطقة الهامش مسرحا لها،بعد اعدا د ومراقبة طويلة لها وروادها، ونمط معيشتهم ومبيتهم، وافتحاص درجة اليقظة الأمنية هناك،ولربما انتقاء الضحيتين بالعناية الفائقةبعد اقتفاء أثرهما انطلاقا من الفندق الذي كانا يقيمان به بمراكش،الامر ألذي يدل علي ان الجريمة ليست من فعل ذئاب منفردة، فقد اختار من يقف وراء الستار لتنفيذ الجريمة، أشخاص يمارسون اعمالايدوية من ذوي الدخل المحدود، كانوا يرتادون المساجد القريبة للعبادة ، وهي أماكن استقطاب المنفذين من طرف المشغلين، ، مثلما هو معلوم، الذين تم إخضاعهم الي عملية غسيل دماغ طويلة، كان من نتيجتها سلبهم القدرة علي التفكير السليم للامور، وتخبط في التحليل، بفعل شحنهم بافكار متطرفة ذات منبع استئصالي وهابي،وتواضع مستوي تعليمهم، بينما لا نجد في البلد المنتج لهذا الفكر الجاهلي شخصا ذي انتماء للطبقة الثرية يقدم علي هذا العمل الجرمي.
ونتيجة لهذا التلقين الملغوم والتحريفي لتعاليم ديننا الحنيف القائم علي الوسطية ونبذ العنف وتحريم قتل نفس بريئة،فقد تمكن قادتهم من حشرهم في عملية جرمية خطيرة ذهبت ضحيتها الفتاتين الاسكندينفيتين بكل برودة دم.
من الضروري ، امام هول الجرم، اعادة طرح سؤال جوهري عن علاقة الجريمة بالتعليم ،ومستواه، ومضمونه، باعتبار ان من نسب اليهم ارتكابها ينتمون، حسب الظاهر من المعلومات المنشورة في مختلف وسائل الاعلام ، الي أوساط ما يمكن ان يخلع عليها اسم الاسلام الشعبي ، وهي أوساط لا تملك قاعدة معرفية تؤهلهم للتمييز بين الغث والسمين، مما يجعلهم فريسة سهلة المنال، للماكرين ممن يتفقه في شؤون الدين القادر علي السيطرة وتحقيق الأهداف الجرمية المتوخاة، مثلما هو حال ظاهر أمثال المنسوب اليهم ارتكاب العمل الإرهابي المذكور..
وبالبناء عليه يسوغ الجزم ان نظام التعليم يؤثر بقوة علي مدي تقبل أفكار ومعتقدات متطرفة، اذ من البديهي والاكيد ان افتقاد التعليم هو بمثابة افتقاد للمناعة المتطلبة والمحصنة لتفادي الاستقطاب المتطرف.
والمؤكد ايضا ان التعليم الديني المتخلف البعيد عن مواكبة روح العصر يجعل المتعلم عرضة لذلك الاستقطاب، باعتباره تعليم يكرس فقط الحفظ والتلقين ، بدل اكتساب القدرة علي التحليل والنقد، الامر الذي يجعل مراجعة شاملة لمناهج التعليم مسالة ملحة للغاية،حتي يتفتح علي العصر .
كما ان اجراء تجديد عميق للفكر الديني اصبح هو ايضا من الضرورة بمكان، بهدف تمكين المواطن من تعليم ديني يتبني قيم العصر، يتأسس علي العدالة الاجتماعية، بعيد عن الإيمان بالعنف ، متشبع بقيم التسامح وتقبل الآخر ورايه ،وليس عبر الفتك به باسم الله عز وجل، واستلهام أفكار العديد من كبار المصلحين من أمثال الامام محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، وعلال الفاسي، ومحمود محمد طه،الذي يشايع الاسلام المكي المليئ بالرحمة والتسامح،ومنح المرأة حقوقها في مناي عن انتقاص قدرها، نبراسا للإصلاح، بموازاة مع اجتثاث الفكر الإقصائي .
لقد آن الاوان لإخراج هذا المشروع الاصلاحي الكبير والهام الي حيّز الوجود، علما بصعوبة تضاريسه، يكون قوامه إصلاح التعليم الديني والمساجد، والغاء التصادم المزعوم بين الاسلام والحداثة، باعتبار ان التصادم ، في واقع الامر، حاصل فقط بين أنماط من التدين الاسلامي وبين الحداثة، عبر الوصول الي الفهم السليم للنصوص الصريحة في آيات القرآن الكريم التي نادت بالعدل وضد الظلم والحريّة ضد العبودية،،علي سبيل المثال .
ولا ريب ان المعركة مع الإرهابيين الذين يتخذون من تحريف الدين وسيلة لاضعاف الدولة والسيطرة علي المجتمع، هي معركة شاقة وطويلة الامد، وتتقاطع فيها جوانب متعددة ، من ضمنها الأمني والفكري ، ومن ثم فان المثقف مدعو للانخراط فيها بقوة ، ولان يعيشها لفائدة مستقبله ومستقبل ابنائه ، ولصالح سلامة وطنه
← الرجوع إلى جميع المقالات