حريق كاتدرائية نوتردام كارثة انسانية
انسابت ذكرياتي دون شعور الى أيام فترة الشباب ، و أنا أشاهد البارحة الحريق المهول الذي أتى على كاتدرائية نوتردام ، و تذكرت لحظات سعيدة قضيتها و أنا أقرأ بنهم رواية فكتور هيغو الشهيرة ” أحدب نوتردام ” الذي كان مكلفا بقرع أجراس الكنيسة حسب أحداث الرواية .
استلهم مؤلفها من الأحدب كواز يمودو ، المعاق ذي الملامح الغريبة و المشوه ، بطلا لروايته التي كتبها في القرن 19 بينما تعود وقائع الرواية الى سنة 1482 التي حفلت بعدة أحداث كان من ضمنها حدث هام حصل بمناسبة تنظيم عملية انتخاب سيد المجانين يوم 06/01/1482 كمناسبة للإحتفال بفوز صاحب ملامح الوجه الأكثر بشاعة ، ليظهر في الصورة الأحدب المذكور الذي حظي بتقدير عارم لبشاعته التي حباها الخالق بها ، و كانت مناسبة للكاتب لاستعراض آراءه و تحليلاته التي غاص بها في أعماق ” كواز يمودو ” و المعاقين عموما.
لربما كان هيغو صادقا فيما نقله في روايته من تصور الجمهور للشخص المعاق و النظرة الاجتماعية السلبية و الدونية عنه ، كما لو أراد جذب عطف الجمهور الى هذه الفئة من بني آدم الفاقدة لانسجام أعضاء جسمها .
و بعيدا عن أحداث تلك الرواية المؤثرة التي لم يكن الكاتب الكبير فكتور هيغو قادرا على كتاباتها و تحقيق النجاح الذي حظيت به لدرجة أنه تم انتاجها سينمائيا في عمل فني رائع لولا وجود بناية ” الكاتدرائية ” ذاتها التي احتضنت خيال الكاتب و شخصية الأحدب في تناغم و تناقض مثيرين .
لا ريب إن حريق كاتدرائية نوتردام القوطية الذي أتى على جزء كبير من بنايتها يعد خسارة فادحة و كارثة مست جزءا هاما من التراث الانساني الذي نتقاسمه جميعا بمكوناته ، و فاجعة حقيقية ، لكنه لن يمحى من ذاكرتي ، و ذاكرة قراء الرواية مختلف المشاعر النبيلة التي لمسوها من خلال فصول الرواية المذكورة . فلا يمكن في هذه اللحظة الاليمة سوى التعبير عن الأمل في أن يقع إعادة ترميم و تشييد هذه المعلمة الحضارية الرائعة قريبا ، مثلما يخالجني نفس الأمل بالنسبة لمآثر إنسانية أخرى لحقها دمار إرهابي ، على رأسها آثار تدمر بسوريا إيمانا بأنه موروث حضاري بشري رفيع ، و إيمانا أيضا أن البشرية لم تتمكن من الوصول إلى ما حققته من انجازات باهرة لولا خطوات جبارة استطاع بواسطتها أجدادنا بالعلم و المعرفة و الفن و الرقي من الوصول الى ما وصلت إليه البشرية الآن من تقدم و ازدهار ، و رحلوا تاركين آثارهم كبرهان جازم على ما بذلوه لفائدة أحفادهم ، الأمر الذي يجعلها أمانة في عنقهم لا يحق لهم تدميرها أو التفريط فيها ، و لا بالأحرى الانزلاق الى الشماتة من طرف البعض لما حدث للكاتدرائية الأمر الذي يعكس إحساسا فظيعا بالدونية ، مع أننا نملك كل مقومات التقدم و الإنجاز العلمي لو تم في الأساس تحقيق عدالة اجتماعية يرافقها إصلاح ديني عميق يتصدى للظاهرة الوهابية الرجعية بمختلف تلاوينها و آثارها المدمرة للأوطان و الحضارة و الحاضنة للتخلف بكل أنواعه.
← الرجوع إلى جميع المقالات