قانون المسطرة المدنية في مجال ترسيخ وحماية حقوق المتقاضين
علي هامش الندوة التي انعقدت بدار المحامي بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية:
لا خلاف حول الأهمية المركزية التي يحظي بها قانون المسطرة المدنية في مجال ترسيخ وحماية حقوق المتقاضين، وذلك ناتج عن ارتباطه الوثيق بموضوع حقوق الانسان عموما. وعلي الرغم من استقلاليته عن قوانين الموضوع ، الا ان القانون المسطري لا يمكن ان ينسلخ عنه ،متي كان وجوده ضروري في الحياة القانونية لتلاحم القانونين.
ولذلك يصعب تصور ممارسة سليمة للحق في التقاضي في مناي عن التعسف المنصوص عليه في الفصل 94 ق ل ع دون مراعاة الاحكام المسطريةالتي تتسرب الي مختلف فروع القانون ،او اكتراث يذكر بتنوعه او خصوصياته.
وعلي هذا الأساس ، يساهم قانون المسطرة المدنية ، في تمكين المتقاضي بسلاح ثمين للوصول الي الحصول علي حقه بمقتضي حكم حائز لقوة الشيئ المقضي، ويلزم الجميع باحترامه عملا بالفصل 126 ( فقرة أولي) من الدستور.
وبناءا عليه، يجدر القول ان القانون المذكور يعتبر ضمانة جوهرية لقيام السلم الاجتماعي.
يجب الاعتراف ان قانون المسطرة ظل ، ولردح طويل من الزمن، يؤدي مجرد دور ثانوي في المساعدة علي حسن تطبيق القواعد القانونية الموضوعيةالتي حافظت علي قوتها.
ويلاحظ ، عموما، ان قرارات محكمة النقض المبدئية في مجال قانون المسطرة المدنية ظلت اقل عددا واهمية من القرارات الآخري التي اضافت تقعيدا جوهريا طال مجال قوانين الجوهر.ولعل هذا الامر ناتج عن احكام قانو ن المسطرة المدنية ذاته، وهو ما يمكن استخلاصه بالرجوع الي احكام الفصل 359 ( الفقرة 2) منه التي قيدت امكانية الطعن بالنقض ضد حكم نهائي بسبب خرق قاعدة مسطرية سوي اذا تحقق ضرر عند طالب النقض، وهو تقييد له اثره ، يتعين اخذه بعين الاعتبار في هذا التحليل.
يشير الاستاذ الكشبور في هذا الصدد في احد مؤلفاته الي أسباب التمييز بين خرق القانون الشكلي والقانون الموضوعي ، واعتبر ان خرق القواعد القانونية الشكلية لا اثر له مبدئيا الا علي الخصم الذي تضرر من ذلك، ولا اثر له علي توحيد الاجتهاد القضائي ، عكس الخطا في القانون الموضوعي ، فهو قابل لان يؤثر في غير الدعوي التي صدر فيها، وقد يغير هذا الخطا معني تفسير القانو ن بشكل عام،فيجعل من هذا التمييز تفسيرا لأنكما ش الأخطاء المتعلقة بالجانب الإجرائي في الحكم علي مستوي الطعن بالنقض ، في اغلب التشريعات المقارنة.
ومع صواب هذا الرأي ، بشكل عام ، أضيف ان مرد هذه الظاهرة ناتج في جزء هام منه عن صعوبات تأصيل العمل الإجرائي بخلاف ما هو عليه الامر في قوانين الموضوع، فهي صعوبات ناتجة ،عن تنوع العمل الإجرائي: تدخل السلطة القضائية او الولائية،او الإدارية، ثم، وايضاً، وخصوصا، بسبب محدودية سلطان الإرادة عند الأطراف امام هيمنة القاضي بمناسبة سير الخصومة أمامه.
وتجدر اثارة ملاحظة أساسية بخصوص موضوع مسيرة قانون المسطرة المدنية، لملاحظة قلة الاهتمام به وبمكانته المركزية في ميدان ممارسة الحقوق، اذ لم يأخذ ( انقشاع) الاهتمام يترائي سوي في فترة متاخرة من القرن الماضي، وكان لتعاظم دور منظومة حقوق الانسان في الحياة ، وذلك باعتبار القانو ن المذكور اداة حربية ناجعة ، بل ولا محيد عنها ، في النظام القضائي، ولا ريب انها اداة يجب ادارتها بحنكة ودراية من الأطراف عبر دفاعهم.
وينبغي تثمين موقف الدستور الحالي الذي عمد الي دسترة بعض القواعد المسطرية أسوة ببعض الدساتير ، وهكذا ارتقت قاعدة وجوب تعليل الاحكام المنصوص عليها في الفصلين 45 و 345 ق م م الي مرتبة القاعدة الدستورية عملا بمقتضي الفصل 125 من الدستور،وكذا علنية الجلسات عملا بالفصل 123 منه، وحقوق الدفاع، عملا بالفصل 120،ويعد خرق حق الدفاع من أسباب النقض في اجتهاد محكمة النقض المتواتر، لتعلقه بأحد القواعد الجوهرية الواجب مراعاتها من المحكمة حتي ولو لم يقع التنصيص عليها في قانون المسطرة المدنية.
ولا ريب ان هذا السمو بتلك القواعد الي مرتبة قواعد دستورية هو تحصين أقوي لموقع المتقاضين في الخصومة المدنية بشكل خاص، وحث للسلطة القضائية علي مراعاة هذه القواعد سيما ما يهم وجوب تعليل الاحكا م حتي لا يقع النعي بل وحتي التظلم لهذا الخرق مما يندرج في مدلول الخطا الجسيم المرتكب من القاضي باعتبار ان الفصل 97 من القانو ن المتعلق بالقضاة يعتبر في فقرته الأولي ان خرقا خطيرا لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق الأطراف وحرياتهم..بمثابة الخطا المذكور.
هذا الاهتمام المتزايد بالقانون الاجرائي عموما ، وقانون المسطرة المدنية تحديدا، لم يصل بعد ، علي مستوي الفقه المغربي، الي مداه المأمول والمناسب، فلم تعالج مواضيعه المتنوعة والثرية بالعناية والدقة المطلوبة، فيما عدا بعض المؤلفات وبعض الاطروحات التي لم يقع نشرها، وظلت اسيرة رفوف الجامعات، وهي اعمال لم تعمل الي إشاعة روح النقد العلمي لقواعد قانون المسطرة ، في أفق ازاحة الشوائب او ما هو متجاوز ، ولا يساير التطور القانوني الحاصل بقصد السعي الي تحقيق عدالة فعالة وسريعة، ولا ريب ان التعديل المرتقب لقانون المسطرة المدنية يعتبرلحظة تاريخية حاسمة وفارقة من اجل تعديل احكامه وجعلها تتلائم والتطور المكثف والنوعي لقوانين الموضوع الحاصل بعد ظهير 28/9/1974 المؤسس لقانون المسطرة المدنية الحالي.
ختاما، هل يمكن ، في هذه الظروف، وبالبناء علي ما سلف ذكره ، مشاطرة راي البعض من الفقه الذي نحي الي اعتبار ان قانون المسطرة المدنية بمثابة الولد الشقي للعائلة القانونية، بسبب تربته القاحلة،،والمعقدة،،؟!
← الرجوع إلى جميع المقالات