مصر والتحكيم التجاري الدولي خسارة جديدة
بتاريخ 3 من الشهر الجاري اصدر المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار الكائن بواشنطن التابع للبنك الدولي حكما تحكيميا ضد مصر باغلبية الهياة التحكيمية وتحفظ محكم ثالث ،قضي عليها بأدائها مبلغ ملياري و13 مليون دولار( مليار و 735 مليون اورو) لفائدة مجموعة اقتصادية مكونة من الشركة الاسبانية غاز فينوزا والشركة الإيطالية E N I , وهو الحكم الذي يعتبر من ضمن اهم خمس احكام اصدرها المركز ، بالنظر لضخامة المبلغ المقضي به الذي يناهز ازيد من نصف المبلغ المطلوب ، ففاق بذلك حتي اكثر التقديرات تفاؤلا التي كان يتوقعها الجانب المحكوم له، حسبما اوردته جريدة la républica الكولومبية بتاريخ 3/9/2018.
هذا المبلغ ينضاف الي مبلغ 740 مليون دولار المحكوم به في نهاية دجنبر من السنة المنصرمةلفائدة الجانب المدعي المذكور المقضي به من طرف مركز التحكيم الإقليمي بالقاهرة ضد الهياة العامة المصرية للبترول في سياق تداعيات نفس النزاع، حسبما جاء بجريدة البايس الاسبانية بتاريخ 3/9/2018 ، التي أوضحت ان هذا المركز استبعد دفوع المحكوم عليها القائلة بقيام عنصر القوة القاهرة، في إشارة للأحداث التي اندلعت بمناسبة اندلاع الربيع الامريكي بالمنطقة ، وحالت دون تنفيذ الجهة المصرية لالتزاماتها ، وكذا الدفع بالفساد الذي خيم علي ظروف التعاقد،في إشارة الي اتهامات بالإرشاء.
تتلخص وقائع النازلة الصادر بشأنها حكم 3/9/ ،حسب جريدة الفننشال تايمز البريطانية، الي إصدار الحكومة المصرية سنة 2012 قرارا بوقف توريد 750 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا لوحدتي الاسالة بدمياط المملوكة للشركتين سالفي الذكر.
هاتين الوحدتين تأسستا سنة 2000باستثمارات بلغت أربعة ملايير دولار بنظام المشاركة بنسبة 80% لصالح شركتي ناتور جي الاسبانية وايني الايطالية و 20%مناصفة بين الهياة المصرية العامة للبترول والشركة القابضة للغازات الطبيعية، إيجاس، ومن اجل ضمان الوفاء بهذه الالتزامات فقد تضمنت الاتفاقيات نصا بضمان الحكومة المصرية الوفا ء بالالتزامات محل الاتفاقيات.
وحسب بيان للشركتين المحكوم لفائدتهما ، فان المقرر التحكيمي الصادر عن مركز الاستثمارات الأجنبية ارتكز علي ما ان الجهة المحكوم عليها لم تمنح للمستثمر المعاملة العادلة والمنصفةالتي تتطلبها وتنص عليها معاهدة حماية الاستثمار المبرمة بين مصر وإسبانيا سنة 1992.
تجدر الإشارة الي ان هذاالحكم التحكيمي يندرج ضمن سلسلة من الاحكام التحكيمية المتعاقبة التي قضت علي مصر باداء مبالغ جد هامة ، بل وفاحشة، نذكر منها الحكم التحكيمي الصادر عن غرفة التجارة الدولية بتاريخ 19/12/2015 الذي قضي علي الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (ايجاس) والهيئة العامة للبترول ، بدفع تعويض بقيمة 288 مليون دولار و1،7 مليار دولار لفائدة شركة كهرباء اسرائيل ، بعد ان تم وقف تصدير الغاز الي تل ابيب بعد تعرض خط الأنابيب لهجمات مسلحين.
اثار الحكم التحكيمي الصادر بتاريخ 3 من الشهر الجاري اهتماما واسعا، من المختصين ورجال الاعمال ،واعتبره البعض من فقهاء التحكيم التحكيم التجاري الدولي بمصر بكونه يضيف ورطة الي الأوجاع التي تعاني منها مصر بسبب عقم سياسات الطاقة التي اتبعتها مختلف الحكومات قبل 25 يناير 2011 التي اتسمت بالتفريط الفادح في حقوق ثروة النقط والغاز التي هي في ملك الشعب وليست في ملك الحكومة.كما اثار نقاشا مجددا حول أسباب اخفاق مصر في الدفاع عن مصالحها امام المحافل التحكيمية الدولية، سيما وان تلك الخسائر الفادحة مرشحة للارتفاع بمراعاة ان عدد القضايا المعلن عنها التي رفعها مستثمرون اجانب ضد مصر امام جهات التحكيم الدولية يناهز 22 قضية تتضمن مطالب تناهز 20 مليار دولار، مع انها تتوفر علي نخبة من كبار فقهاء التحكيم التجاري الدولي وممارسيه المعترف بقيمتهم العلمية دوليا وعربيا.
ونظرًا لان المغرب مقبل، حسبما يبدو من مختلف المصادر الجدية الاطلاع ، علي طفرة نفطية هامة ، مثلما يتجلي بالملموس من خلال الاتفاق المبرم مؤخرا بين المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن مع شركة ساوند يازجي البريطانية التي منحها هذا المكتب امتياز استغلال الغاز الطبيعي بمنطقة ” تندرار” وصدر بشأنه مرسوم من رئيس الحكومة يمنح الامتياز لفائدة المكتب وشركتين ، من ضمنهما الشركة البريطانية المذكورة، ويشير هذا المرسوم بوضوح الي وجود الغاز الطبيعي وثبوت امكانية استغلاله ،وهو امر هام يهم جميع المغاربة الذين اخفي عنهم هدا المعطي السار الذي تضمنه ثنايا المرسوم المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 3/9/2018وهو للصدفة تاريخ صدور الحكم التحكيمي الصادر ضد مصر من طرف مركز التحكيم الدولي بواشنطن .مما يعني ان المغرب مقبل علي إبرام اتفاقيات استثمار مع الشركات العالمية ذات الخبرة العالية في هذا المجال، التي تسعي بكل الوسائل الي تحصين مصالحها بعقود ذات جودة عالية فيما تتضمنه من بنود، الامر الذي سيكون من المناسب معه ، بل ومن الواجب، ان تهتم السلطات الحكومية المختصة بإعداد اطر ذات كفاءة عالية في هذا المجالومن ذوي الغيرة الوطنية لمجابهة كل معضلات الاستثمار في قطاع النفط ، اعتبارا لان كفاءة الطرف الممثل للدولة في المفاوضات مع المستثمر الأجنبي تلعب دورا بالغ الأهمية في عملية التفاوض: مرحلة التفاوض، العقود التمهيدية، الاتفاق العقدي او الإطاري ،وهو ما يؤثر بطبيعة الحال علي مآل النزاع في حالة نشوبه.
اما أسباب اخفاق مصر المشار اليه فيمكن إجمالها فيما يلي:
- سوء إدارة سياسات الطاقة من طرف الحكومات التي تعاقبت علي إدارة الشأن العام .
- ان مصر واحدة من اكثر الدول ابرامها لاتفاقيات الاستثمار الثنائية ، وفِي بعض الحالات دول لا تشكل قيمة اقتصادية هامة ، وتلزم تلك الاتفاقيات بالتحكيم الدولي دون ان ترتب مصلحة ، مثلما هو حال الاتفاقية التي أبرمت مع اسبانيا التي وقعت الإشارة اليها سابقاوعلي اساسها صدر المقرر التحكيمي من مركز التحكيم الاستثماري بواشنطن الذي يشكك العديد من الفقهاء في حياديته، اذ كبد الدول العربية خسائر بملايير الدولارات ، مما جعلهم ينادون بإعادة النظر في الخضوع لاختصاصه.
- عدم محاولة الوصول مع الطرف الخصم الي صلح ودي اذا ما تبين للجهة الحكومية المعنية وهن موقفها.
- عدم التسرع الي إبرام اتفاقيات استثمار قبل القيام بدراسة دقيقة حول نجاعته وجدواه الاقتصادية.
- سوء إدارة سياسات الطاقة، وعدم الاستعانة برجالات قانو ن ومحامون اكفاء في تغليب للعلاقات الخاصةعلي المصلحة العامة.
- عدم الاستعانة بخبرة اختصاصيين في ميدان التحكيم التجاري الدولي ، يستطيعون استغلال الثغرات التي قد تحتوي عليها بعض العقود ،بينما استطاعت دولة كالأرجنتين ان تستغل ثغرة قانونية في اتفاقية استثمار ثنائية للامتناع عن تنفيذ حكم صادر ضدها.