مقتل الخاشجعي ،والمارقون،،
تواجه السعودية احلك أزمة سياسية تكاد تهدد نظامها واستقرارها نتيجة تورطها المحتمل في اختفاء ولربما مقتل الصحافي الخاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول ، في وقت عصيب يعاني فيه النظام السعودي أزمة حادة بعد سلسلة من الإخفاقات في سياسات طبقته السياسية الحالية التي انتهجتها دون روية او حتي عدم معرفة دقيقة بأساليب إدارة الصراعات السياسية والاجتماعية في منطقة تتكالب عليها اطماع مختلف القوي الأجنبية ، وذلك ابتداءا من سوريا ومرورا باليمن او الحصار ضد قطر،او فتح جزئي لرأسمال شركة شركة ” أرامكو” ،، ناهيك عن اعتقال رئيس حكومة دولة ذات سيادة وإجباره علي تقديم استقالته..
وتاتي تصريحات احد الأمراء المعارضين والمنفيين في شخص خالد بن فرحان التي أدلي بها مؤخرا لصحيفة ” الموندو” الاسبانية لتعبر عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام السعودي حينما صرح ” ان مقتل خاشقجي هي الشرارة التي كانت مفتقدة لإحداث ثورة ضد ابن سلمان” فاضحي مستقبله السياسي في مهب الرياح وهو ما اكدته صحيفة ” لوفيغارو ” الفرنسية حينما اوردت من مصدر ذي مصداقية نبأ اجتماع أركان العائلة المالكة لمناقشة المشاكل المتعلقة بخلافة العرش .
في هذه الظروف الصعبة والعاصفة سمح الرئيس ترامب لنفسه انتحال صفة محقق او حتي قاضي حينما ابتدع نظرية ” قتلة مارقين”الذين نسب اليهم ارتكاب جريمة قتل الخاشقجي، وأضاف ان الملك السعودي أكد له بطريقة حازمة “انه ليس له علم بذلك ” وأضاف انه قالها”بقوة جدا” وهو ما قد يعني تنصل الدولة السعودية من تبعات الفعل الجرمي، وسد ذوي حقوق الضحية من اية مطالب في مواجهتها، لتنحصر هذه الإمكانية في مواجهة مرتكبي الفعل الجرمي ،، المارقون.!
لقد اثار هذا التصريح الذي يبدو ان الرئيس ترامب اضطر الْيَوْمَ للتراجع عنه امام قوة ضغط الراي العام ، ووقوف مشرعين امريكيين بارزين الي جانب قيم الحق والعدالة بدل قيم الربح، اشمئزاز ا وتنديد ا واسعا من طرف الراي العام الامريكي وصناعه، فتساءل احد الصحفيين بواشنطن بوست ” انا مرتبك، كيف لقتلة مارقين ان يخترقوا قنصلية سعودية مؤمنة جيدا،ويقتلون ويقطعون ويهربون دون ان بضبطهم احد بداخلها؟ثم ماذا يفعل منشار مع عملاء سعوديين داخل القنصلية؟”
ان تصريح الرئيس ترامب المشار اليه يكشف ، وما تلته ايضا من ردود محتشمة ازاء فعل جرمي بشتي الذرائع ، من ضمنها عدم انتهاء التحقيق، في الوقت الذي لم تتردد فيه قوي استعمارية كفرنسا والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا الي توجيه ضربات عسكرية ضد سوريا بدعوي مسؤوليتها عن الهجومات الكيميائية الملفقة،دون انتظار تحقيق الامم المتحدة، كل هذا يثبت بالملموس ان قيم العدالة وحقوق الانسان المفترض فيها انها ذات مدلول كوني، سرعان ما تلاشي امام قوة المال والمصالح الاقتصادية .فكيف كان سيكون رد الفعل لو ان الضحية والشهيد القاشجعي كان فرنسيا او أمريكيا وقتل في قنصلية بلده بتركيا..؟
ان اختيار الرئيس ترامب لفظ “مارقين” لوصف القتلة يعني انهم جماعة خارجة عن النواميس والاعراف السائدة، وعن الجماعة البشرية،وينبا سلوكهم علي كونهم يغلبون مصالحهم الخاصة عن القيم المشتركة.
والمثير في الامر ان الرئيس الامريكي الذي أعاد للأذهان استعمال الرئيس بوش لعبارات مماثلة وإطلاقها علي دول معينة، كالعراق في عهد صدام، وكوريا الشمالية، وإيران، لا يمكنه ان يتغاضي عن المعيار الاساسي في هذا الشأن ، الا وهو مدي احترام القانون الدوليي من طرف الدولة المعنية الحاصلة علي هذه المعايير، ليتجلى هان دولته تنطبق عليها كل هاته المعايير،، مثلما عبر عن ذلك بشجاعة المفكر اليهودي تشوميسكي بقوله الذي أورده في كتابه الذائع الصيت،“الدول المارقة”ان ” احتقار القانون الدولي متجذر بعمق في ممارسات الولايات المتحدة وثقافتها العقلانية”
يبدو ان الرئيس ترامب نسي انه كان من غلاة مؤيدي قانون “جاستا”او ” العدالة ضد الاٍرهاب”الذي أقره الكونغرس في أواخر عهد الرئيس اوباما رغم استعماله حق النقض ضده، وهو قانون موجه في الأساس ضد السعودية ومنظمات خيرية تابعة لها التي لم تنفع اموالها الطائلة التي دفعتها لمنع صدوره او حتي تنفيذه ، من لجم آثاره.
ولربما نسي ايضا ما قاله عن موقف اوباما المشار اليه حين وصفه انه مخجل.
فتأسيسا علي القانون المذكور الصادر بمناسبة افعال جماعة مارقة ، رفعت ازيد من 850 أسرة من ضحايا هجمات 11سبتمبر الإرهابية و 1500 مصاب دعوي قضائية جماعية ضد الدولة السعودية ، وأمراء في الاسرة الحاكمة، من ضمنهم بندر بن سلطان، وتركي الفيصل، كما ذكرهم السجين زكريا الموسوي المتهم بتحضير هجمات 11سبتمبر، بدعوي ضلوعهم في تقديم دعم مادي ومالي لتنظيم القاعدة .وكما جاء علي لسان احد مدافعي ارملة ضابط أمريكي وابنته في دعوي تقدم بها ضد الدولة السعودية، ” انه لولاالدعم السعودي لم تكن القاعدة لتستطيع تخطيط وتنفيذ تلك الهجمات” ..
من سخرية الاقدار ان تصريحات القيادة السعودية الحالية المدلي بمناسبة افتتاح مشروع نيوم التي جاء فيها” ان المملكة ستقضي علي الاٍرهاب الذي عاش بيننا 30 سنة” تم استخدامه حجة ضد الدولة السعودية في الملفات الرائجة ضدها امام المحاكم الامريكية ، والتي قد تنتهي في حالة نجاحها بإيقاع حُجوز تنفيذية علي ارصدة سعودية تفوق 800 مليار دولار ، تنضاف الي مبلغ التسبيق المعلوم!
وصفوة القول انه اذا كان من الثابت ان الرئيس ترامب كان من كبار مؤيدي قانون جاستا المشار اليه، الذي صدر بمناسبة افعال ارتكبها مجرد أشخاص مارقون ، حسب قوله، لتتحمل مسؤوليتها الدولة السعودية مدنيا،رغم انهم لم تكن لهم علاقة تبعية بالإدارة في تلك الدولة، فكيف يليق له اثارة أطروحة ” القتلة المارقين” رغم ان هؤلاء موظفون بتلك الادارة،، لحجب المسؤولية المفترضة التي تطال الآمرين بقتل الخاشجعي في حالة ثبوته، ؟
← الرجوع إلى جميع المقالات