نطــاق السريـــان الــزمني للتــصريح ما بــالــذمة في الحــجز لدى الــغير
لــى هامش قــرار محكمـــة النقـــض الصــادر بتـــاريخ 10/04/2019
فـي الملـــف التجـــاري 2321/3/3/2017
تندرج الدعوى التي صدر بشأنها القرار محل التعليق ضمن ما يسمى دعاوي الإقرار بالذمة الذي يجب على المحجوز بين يديه التصريح به عملا بما ينص الفصل 494 من ق.م.م.
و في تأصيل القاعدة موضوع الفصل المذكور ينبغي التذكير أن حجز ما للمدين لدى الغير ينهض على مفترض قيام علاقة دائنية لفائدة الحاجز في مواجهة المدين المحجوز عليه ثابتة وفق ما تنص عليه الفقرة الاولى من الفصل 488 من نفس القانون.
على أنه ، لما كان من المستحيل في العلاقة بين المحجوز بين يديه ( مدين المحجوز عليه ) و بين الحاجز ، أن يثبت الأخير مديونية المحجوز بين يديه تجاه المحجوز عليه ، فإن المشرع أعفى الدائن الحاجز ، و كلفه بدلا من ذلك الإدلاء بالتصريح بالذمة نظرا لإدراكه التام قيام استقلالية أطراف العلاقة الأصلية ( الدائن الحاجز ، و مدينه المحجوز عليه ) عن العلاقة القائمة ما بين ، المحجوز عليه ، و المحجوز بين يديه.
فالتصريح بما في الذمة ، بتعبير المشرع المصري ، هو ذاته الذي تنص عليه الفقرة 3 من الفصل 494 من ق.م.م تحت مسمى التصريح الايجابي ، وهو تعبير غير دقيق لأن التصريح بالذمة يشمل الحالتين الإيجابية و السلبية حتى لا يعتقد المحجوز بين يديه أنه غير ملزم بالقيام بأي تصريح سلبي إذا لم يتوفر على رصيد إيجابي لفائدة المحجوز عليه .
يقدم دعوى الاقرار بالذمة المومأ اليها الدائن الحاجز باعتباره دائن ، من جهة ، وغير ، من جهة أخرى، بالنسبة للمحجوز لديه ، فيحق له بتلك الصفة المنازعة في ذلك التقرير مستعملا حق مدينه المحجوز عليه الدائن المفترض للمحجوز لديه ، و لئن كان بعض الفقه يخالف هذا الرأي باعتبار أن الحاجز لا يستعمل في هذه الدعوى سوى حقه الخاص به.
ـ السؤال الجوهري الذي أجابت عنه محكمة النقض بمقتضى القرار محل التعليق يتعلق بالمدى الزمني لامتداد أثر الحجز لدى الغير .
و لتمكين المطلع على أهمية هذا القرار ، فإن من المفيد التذكير بادئ ذي بدء بوقائع النازلة.
وقــائــع النــازلــة :
استندت المدعيتين في دعواهما الهادفة إلى ما سلف ذكره أي المنازعة في التصريح السلبي الذي تقدمت به المحجوز لديها خلال مسطرة محاولة التوزيع الحي التي أجريت بتاريخ 05/01/2012 ، إذ أدلت المحجوز عليها شركة ” غرب ورق وكارطون “بتصريح أفادت فيه بعدم توفرها على اموال محجوزة و كتبت فيه مايلي :
” أخبركم على أن شركتنا لا تحوز في تاريخه و بأي وجه كان أي مبلغ مالي لفائدة شركة ” اينا هولدينغ ” يستدعي حجزه و الامتناع عن تسليمه إلى هذه الأخيرة “.
و أضافتا أنهما فوجئتا بكونه اتضح أن المحجوز بين يديها ، و بعد ادلائها بالتصريح السلبي الآنف الذكر ، قامت في سنة 2012 ، بتوزيع أرباح على المساهمين فيها و من ضمنهم شركة ” اينا هولدينغ ” المحجوز عليها ، و في هذا الإطار سلمتها مبلغ 29.833.200,00 درهم بعنوان ما نابها من أرباح لسنة 2012 و ان هذا ما ثبت من تحريات الحاجزة مستندة على الحصيلة السنوية لشركة ” اينا هولدينغ ” و على تقرير مراقب حساباتها.
و اعتبرت أن التصريح السلبي الذي قدمته المحجوز لديها هو تصريح لا أساس له من الصحة، لأنه أخفى عن المحكمة أن المحجوز عليها مساهمة في المحجوز لديها ، و بالتالي لها حق في الأرباح و نعت عليها عدم القيام بالحجز ، و مبلغ مناب المحجوز عليها من الأرباح و تنفيذ الحجز عليها الذي أبلغ اليها ، بدلا من تسليمها للمحجوز عليها.
و أضافت المدعيتان أن المحجوز لديها قامت أيضا بتوزيع أرباحها عن سنة 2013 على المساهمين فيها و من ضمنهم شركة ” اينا هولدينغ ” المحجوز عليها ، و في هذا الإطار سلمتها مبلغ 52.984.308,88 درهم بعنوان ما نابها من أرباح لسنة 2013 و ان هذا ثابت من الحصيلة السنوية لشركة ” اينا هولدينغ ” و من تقرير مراقب حساباتها.
و تأسيسا على المعطيات سالفة الذكر اعتبرت المدعيتان أن المحجوز لديها أخلت بالتزامها المنصوص عليها في الفصل 494 من قانون المسطرة المدنية بعدم قيامها بحجز ما ناب المحجوز عليها من ارباح عن سنتي 2012 و 2013 و أضرت بحقوقهما مما يجعلهما محقتين في الحصول على تعويض عن الأضرار اللاحقة بهما من جراء عدم حجز الأموال العائدة للمحجوز عليها.
من طرف المدعى عليها المحجوز بين يديها عن سنة 2012 و 2013 و كذا هل تم تحقيق ارباح عن سنة 2014 ، و معرفة ما إذا قامت المحجوز لديها أم لا بتسليمها للمحجوز عليها ، و تحديد الأضرار اللاحقة بالمدعيتين و ما فات من استخلاص ديونها من جراء عدم تنفيذ المدعى عليها للحجز لدى الغير الذي بلغ لها.
و تمسكت المدعى عليها ( المحجوز لديها ) بدفع أساسي مفاده أن العبرة في مدى اعتبار اخفائها حقيقة توفرها على اموال المحجوز عليها هو بتاريخ التصريح السلبي ، إذ بتاريخه (01/05/2012) لم تكن عندئذ تتحوز أي مبالغ قابلة للإدلاء لفائدة المحجوز عليها بل حصل بتاريخ لا حق باعتبار أن انعقاد الجمعية العامة للشركة العارضة المختصة قانونا للمصادقة على حسابات السنة لم يتأتى إلا في أجل أقصاه 30 يونيو من سنة 2012 ومن كل سنة مقابلة طبقا لمقتضيات المادة 331 من القانون 95.17 و كذا المادة 115 منه.
و تبعا لذلك ، فإن التحقق و العلم بوجود مبالغ قابلة للتوزيع لم يحصل حينما تم الإدلاء بالتصريح السلبي بتاريخ 01/05/2012 بل بتاريخ لاحق مصادف لتاريخ انعقاد الجمعية العامة العادية السنوية كما أبرز ذلك الحكم الابتدائي بنفسه أي في 25/06/2013 و 23/06/2014.
و عليه ، فإن العلم اليقيني بوجود أموال قابلة للحجز لفائدة المحجوز عليها في ذمة الشركة العارضة لم يكن قائما بتاريخ 05/10/2012 المصادف للإدلاء بالتصريح السلبي في جلسة التوزيع الحبي.
غير أن محكمة الدرجة الاولى لم تساير هذه الدفوع وصرحت بمسؤولية المحجوز لديه بعلة :
” أنه بالرجوع إلى الوثائق الضريبية المدلى بها بالملف ، يتبين ان المحجوز عليها مساهمة بالشركة المدعى عليها بنسبة 99,97% ، هاته الأخيرة التي حققت أرباحا صافية عن السنة المحاسبية المقفلة في 31/12/2013 بمبلغ 452.601.39,39 درهم ، و أرباحا صافية عن السنة المحاسبية المقفلة في 31/12/2013 بمبلغ 446.832.91,09 درهم ، وفقا لما هو مسطر بمحضري الجمعيتين العموميتين العاديتين ل 25/06/2013 و 23/06/2014 .
و أن المحضرين أعلاهما أثبتا بما لا يدع مجالا للشك وجود أموال لفائدة المحجوز لديها خاصة و ان مسطرة حجز ما للمدين لدى الغير ، ينصب الحجز فيها ليس فقط على الأموال الناجزة للمدين ، بل أيضا تلك التي سيحصل عليها في حدود مبلغ الدين ( حكم صادر عن المحكمة التجارية بوجدة بتاريخ 07/02/06 تحت عدد 75/06 الملف عدد 565/05 منشور بمجلة المناظرة عدد 11 ص 185 وما يليها)
و أن واقعة العلم بوجود أموال لفائدة المحجوز عليها لدى المحجوز لديها ، كانت محققة و اكيدة وقت التبليغ بالأمر بالحجز أعلاه ، و ذلك بالنظر الى نسبة مساهمة المحجوز عليها في رأسمال الشركة المحجوز لديها ، و إن كان توزيع الأرباح على المساهمين يقتضي مسطرة خاصة حسب مقتضيات قانون شركات المساهمة ، يتراخى إلى ما بعد التبليغ بالأمر بالحجز.
و ان علم المحجوز عليها بوجود أموال لفائدة المحجوز عليها ، و عدم حجزها لفائدة طالبة الحجز، خاصة و أن الأمر بالحجز يبقى منتجا لأثارة القانونية ، ما لم يصدر أمر برفع الحجز أو إلغائه ، الشيء الغير متوافر في نازلة الحال ، مما تبقى معه المحجوز لديها ملزمة و مسؤولة اتجاه طالبتي الحجز المدعيتين عن تنفيذ مقتضيات الأمر بالحجز أعلاه في حدود مبلغ الدين.
و حيث يكون تبعا لذلك الخطأ ثابت في حق المحجوز عليها عملا بمقتضيات الفصلين 77 و 78 من قانون الالتزامات و العقود ، وهو ما ترتب عنه ضرر محقق للمدعيتين يتمثل في حرمانهما من الانتفاع من مبلغ الدين موضوع الأمر بالحجز أعلاه ، و بالتالي تكون عناصر المسؤولية قائمة من خطأ و ضرر و علاقة سببية بينهما ، و يجعل طلب الحكم بمسؤولية المدعى عليها تقصيريا مؤسس قانونا و يتيعن الاستجابة له”.
وهو الحكم الذي تم تأييده من طرف محكمة الدرجة الثانية التي اعتبرت ” أن الدفع بعدم التحقق و العلم بوجود مبالغ قابلة للتوزيع لم يحصل حينما تم الإدلاء بالتصريح السلبي ، غير منتج طالما ان واقعة العلم بوجود أموال لفائدة المحجوز عليها لدى الطاعنة بصفتها محجوز لديها كانت مؤكدة بتاريخ تبليغها الأمر بالحجز و ذلك اعتبارا لنسبة مساهمة المحجوز عليها في رأسمال الشركة الطاعنة و بالتالي فإن عدم توزيع الأرباح وقت تبليغ الحجز لا ينهض مبررا لتسليم المحجوز عليها نصيبها في الأرباح طالما أن الحجز لم يتم رفعه.
و فضلا عما ذكر ،و خلافا لما تمسكت به الطاعنة ، فإنه طبقا للمادة 494 من ق.م.م تكون ملزمة بتنفيذ الأمر بالحجز و القيام بالاقتطاعات في حدود المبلغ المنصب عليه الحجز طالما أن الحجز لا زال قائما و لم يقع رفعه و أن هذه الالتزامات لا تنحصر في تاريخ تبليغ الأمر بالحجز للمحجوز اليها بل تستمر إلى حين استيفاء الاقتطاعات مبلغ المجرى عليه الحجز بكامله ” وهو القرار الذي طعنت فيه بالنقض المحجوز لديها و استجابت له محكمة النقض تأسيسا على التعليلات التالية :
” حيث إن أساس الدعوى بحسب المقال الإصلاحي المقدم من طرف المطلوبتين شركة ” فايف ف س بي ” و شركة ” سي بي سي ” المغرب هو تحميل كامل المسؤولية المدنية التقصيرية للمحجوز بين يديها شركة ” غرب للورق و الكارطون ” نتيجة عدم تنفيذها الحجز لدى الغير المامور به بتاريخ 27/10/2011 و بلغ إلى هذه الأخيرة بتاريخ 31 أكتوبر 2011 و الحكم بعدم جواز ما تم دفعه للمحجوز عليها من أرباح الشركة المذكورة بصفتها مساهمة فيها عن سنوات 2011 و 2012 و 2013 و اعتبار ما دفع باطلا و لا ينتج أي مفعول ولا تواجه به الدائنتان الحاجزتان و ذلك منذ تاريخ تبليغها بالحجز لدى الغير ، و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لتأييد الحكم الابتدائي ورد الاستئناف الأصلي و الفرعي اكتفت بالاستجابة للطلب الأول بإقرار المسؤولية التقصيرية حق المحجوز لديها شركة ” غرب للورق و الكارطون ” بعلة ” ثبوت خطئها المتمثل في تسليم المحجوز عليها ” اينا هولدينغ ” أرباحها في الشركة رغم وجود حجز لدى الغير ” ، و ردت دفعها بخصوص عدم علمها وقت التصريح السلبي بوجود مبالغ قابلة للتوزيع بأنه ” دفع غير منتج طالما أن واقعة العلم بوجود أموال لفائدة المحجوز عليها لديها بصفتها محجوز لديها كانت مؤكدة بتاريخ تبليغها الأمر بالحجز ، و ذلك اعتبارا لنسبة مساهمة المحجوز عليها في رأسمال الشركة الطاعنة و بالتالي فإن عدم توزيع الأرباح وقت تبليغ الحجز لا ينهض مبررا لتسليم المحجوز عليها نصيبها في الأرباح طالما أن الحجز لم يتم رفعه “. و الحال ان مسطرة الحجز لدى الغير انتهت بصدور أمر بحفظ ملف التوزيع الودي بناء على التصريح السلبي الصادر عن الطالبة شركة ” غرب للورق و الكارطون ” بجلسة 05/01/2012 و الذي تضمن انها لا تحوز في تاريخه و بأي وجه كان أي مبلغ مالي لفائدة شركة ” ايناهولدينغ ” يستدعي حجزه و الامتناع عن تسليمه اليها علما أن التصريح بالذمة الصادر عن المحجوز لديه و الذي يجسد التزامه القانوني بإخبار الحاجز بما لديه الذي يجري حسب الكيفية المنصوص عليها في الفصل 492 من ق.م.م كما ان الالتزام بالإخبار له حدوده و مداه بحيث لا يقع على عاتق الغير المحجوز لديه التصريح من تلقاء نفسه بما ينوب المحجوز عليه من حقوق مالية بصفته شريكا او مساهما في الشركة كحقه في أرباحها او بما يملكه من قيم منقولة و في نازلة الحال فإن المطلوبتين لم تثبتا أن الطالبة وقت التصريح بالذمة بتاريخ 05/01/2012 كانت لديها أموال للمحجوز عليها و ذلك لإثبات عكس ما ورد في التصريح السلبي علاوة على ان الطالبة لم تكن حينها ملزمة بالإخبار بأنه سيتم مستقبلا توزيع أرباح الشركة لفائدة المساهمة فيها شركة ” اينا هولدينغ ” و المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه التي افترضت العلم المحقق و الأكيد باستحقاق شركة ” اينا هولدينغ ” أرباحا بتاريخ تبليغها الأمر بالحجز و ذلك اعتبارا لحجم مساهمتها في رأسمال الشركة المحجوز لديها وهو 99,97 في المائة من الرأسمال تكون قد أغفلت أن توزيع أرباح الشركات لا يتم بصورة فورية بل يخضع في تنظيمه لمسطرة خاصة قررها القانون 95-17 المتعلق بقانون شركات المساهمة محمية بقواعد ملزمة و زجرية منصوص عليها في المواد من 326 إلى 336 منه و التي من بين ما تقتضيه انعقاد الجمعية العمومية للشركة للمصادقة على حسابات السنة المالية و التحقق من وجود مبالغ قابلة للتوزيع و التي تتكون من الأرباح الصافية للسنة المالية على أن تنقص منها خسارات السنوات المنصرمة و أن ذلك يتم داخل أجل مقرر بعد اختتام السنة المالية ، و أن كل ربح موزع خرقا للقانون يعد ربحا صوريا كما أنها في تعليلها لإقرار مسؤولية الطاعنة عن تسليم المحجوز عليها أرباحها في الشركة عن سنوات 2011 و 2012 و 2013 رغم وجود حجز لدى الغير أوردت : ” و أنه فضلا على ما ذكر و خلافا لما تمسكت به الطاعنة فإنه طبقا للفصل 494 من ق.م.م فإنها تكون ملزمة بتنفيذ الأمر بالحجز و القيام بالاقتطاعات في حدود المبلغ المنصب عليه الحجز طالما ان الحجز لا زال قائما و لم يقع رفعه و ان هذه الالتزامات لا تنحصر في تاريخ تبليغ الأمر بالحجز للمحجوز اليها بل تستمر إلى حين استيفاء الاقتطاعات المبلغ المجرى عليه الحجز بكامله ” في حين أنه لا مجال في النازلة لتطبيق مقتضيات الفصل 494 من ق.م.م بخصوص القيام بالاقتطاعات في حدود المبلغ المنصب عليه الحجز و استمراريتها إلى حين استيفاء الاقتطاعات المبلغ المجرى عليه الحجز بكامله طالما أن مسطرة الحجز بين يدي الغير انتهت بعدما تم التصريح السلبي و لم تسفر جلسة التوزيع الودي عن أية نتيجة فتم حفظ الملف ، و لما لم تجر مسطرة المصادقة على الحجز فقد أضحى الحجز لدى الغير دون أثر و بذلك يكون القرار المطعون فيه غير مرتكز على أساس معللا تعليلا سيئا خارقا المقتضيات المحتج بها مما يعرضه للنقض.
( قرار صادر بتاريخ 10/04/2019 تحت عدد 201/3 في الملف التجاري عدد 2321/3/3/2017)
موقف محكمة النقض :
يثير الحجز لدى الغير اشكالات عديدة سيما يتعلق بنطاق سريانه ، وهو ما تصدت له محكمة النقض بتحديد مدلوله السليم وفق ما ورد في تعليلات القرار محل التعليق المشار اليه أعلاه.
و لأهمية القرار الذي يعد من ضمن القرارات المبدئية التي أصدرت محكمة النقض خلال هذه السنة في المادة التجارية ، عموما ، و مادة المسطرة المدنية ، خصوصا ،ارتأيت التعليق عليه من زاويتين الأولى بخصوص نطاق سريان الحجز لدى الغير ، و الثانية بخصوص قيمة قرار محكمة النقض.
Iـ بخــصـــوص نطــــاق سريــــان الحـــجز لـدى الغـــير:
1 ـ يجدر في هذا الصدد التذكير أن الفصل 489 من ق.م.م ينص على انه :
” يمكن للمدين أن يتسلم من الغير المحجوز لديه الجزء الغير القابل للحجز من أجره أو راتبه ،و يكون كل وفاء آخر يقوم به نحوه الغير المحجوز لديه باطلا ” ، و مؤداه حبس كل المال محل الحجز بين يدي المحجوز لديه الذي يمنع عليه الوفاء بأي مبلغ في ذمته مهما بلغ قدره ، وهو منع مطلق يشمل كل دين نشأ لفائدة المحجوز عليه في ذمة المحجوز لديه.
2 ـ ينهض نظام الحجز لدى الغير ، كما هو معلوم ، و مثلما سبق بيانه سالفا ، على افتراض قيام علاقة مديونية بين الدائن الحاجز و المدين المحجوز عليه ، من جهة ، و في وجود علاقة مديونية بين الأخير و الغير المحجوز لديه ، من جهة أخرى ، وهو عنصر جوهري و إلا فإن الحجز يكون باطلا.
لما كان عبء اثبات المديونية المشار اليها أمر عسير و تكليف الدائن الحاجز اثباتها يعتبر تكليفا مستحيلا في أغلب الحالات فإن المشرع أعفاه و كلف المحجوز لديه بدلا منه مثلما هو ثابت بالرجوع إلى الفصل 494 من ق.م.م الذي رتب امكانية الحكم على المحجوز لديه بأداء الاقتطاعات التي لم تقع و المصاريف عند عدم تصريحه بها دون أن يحدد أجلا للإدلاء بالتصريح بخلاف بعض التشريعات المصري (15 يوم) و الفرنسي ( الذي حدده في 18 أيام ) اللبناني ( 5 ايام ) .
3 ـ و السؤال الجوهري الذي يطرحه النزاع و اجابت عنه محكمة النقض بمقتضى القرار محل التعليق ينصب على النطاق الزمني للحجز لدى الغير أي مدى شموليته للأموال الموجودة لدى الشخص الثالث مستقبلا، و بمعنى آخر ، حول مدى جواز أن ينصب الحجز على الأموال التي قد يتحوزها هذا الأخير لاحقا بعد تقديم تصريحه الايجابي أم لا و حول إمكانية قيام مسؤوليته عند عدم إجراء الحجز.
4 ـ فمن هذه الزاوية انبرت محكمة النقض الى الاجابة على هذا السؤال بالقول بانعدام مسؤولية المحجوز لديه في النازلة متى كان من الثابت أن مسطرة الحجز لدى الغير انتهت بحفظ ملف التوزيع الودي بناء على التصريح السلبي للمحجوز بين يديه بجلسة 05/01/2012 المتضمن عدم تحوزه بهذا التاريخ أي مبلغ مالي للمحجوز عليها.
و الأهم من هذا ، اعتبرت محكمة النقض أن التزام المحجوز بين يديه بالتصريح بما قد يكون يتوفر عليه من اموال لفائدة المحجوز عليه يتحدد بتاريخ تبليغ المحجوز لديه بالحجز وهو التبليغ الذي يتم وفق الكيفية المنصوص عليها في الفصل 492 من ق.م.م.
و أضافت أنه لا مجال في النازلة لتطبيق الاقتطاعات موضوع الفصل 494.من ق.م.م في حدود المبلغ المنصب عليه الحجز و استمراريتها إلى حين استيفاء اقتطاعات المبلغ المجرى عليه الحجز بكامله متى كان من الثابت أن مسطرة الحجز لدى الغير انتهت ، بعد أن تم التصريح السلبي ، و لم تحصل مسطرة التوزيع الودي على أية نتيجة دون أن تجري مسطرة المصادقة على الحجز مما أضحى معه الحجز لدى الغير دون أثر.
على أن وجاهة هذا الرأي الذي انتهت اليه محكمة النقض بهذا الوضوح حينما أكدت على نحو قاطع ” أن قاعدة الحجز لدى الغير قاصرة على الحقوق الموجودة بحيازة الطرف الثالث ،أي المحجوز بين يديه، دون غيرها اللاحقة على تبليغ الأمر بالحجز إلى الأخير ”، قد يثور بشأنه أشكال في حالة ما إذا كان الأمر بالحجز لدى الغير ينص على استمرار الحجز على كل الأموال محل الحجز لدى الغير المتوفرة لدى المحجوز عليه في الحال و الاستقبال.
غير أن هذا التصور الاشكالي لا يمكن مجاراته طالما أوضحت محكمة النقض في قرارها محل التعليق حدود الفترة الزمنية لمسؤولية المحجوز لديه التي تتحدد بتاريخ تبليغ المحجوز لديه بالحجز، فلا يجوز القول باستمراريته في المستقبل ، حتى و لئن ان كانت بعض مطبوعات الحجوز لدى الغير المستعملة من طرف بعض المحاكم تنص أحيانا على استمرار الحجز لدى الغير إلى المستقبل و يقضي به القاضي استجابة لطلب الحاجز.
5 ـ لا تخفى أيضا الأهمية البالغة لهذا القرار بالنسبة حالات الحجوز لدى الغير على الحسابات البنكية بمختلف تصنيفاتها ( حساب جاري ، حساب بالاطلاع ، حساب لأجل )، وهي الأكثر شيوعا ،إذ قد يستقبل صاحب الحساب ايداعات جارية متعددة ، منها ما يمكن ايقاع الحجز عليها تنفيذا للأمر بالحجز لدى الغير لفائدة الدائن الحاجز ، متى كانت الأموال محل الحجز في حيازة المحجوز بين لديه عند تبليغه بالأمر بالحجز، ومنها ما قد يقع استقبالها لاحقا ، ومن ثم فلن يجوز ايقاع الحجز بالاستناد على المنحى الذي كرسته محكمة النقض في قرارها محل التعليق ، الأمر الذي سيترتب عنه انعدام مسؤولية البنك المحجوز بين يديه عند عدم ايقاعه الحجز في حالة عدم توفره على رصيد لفائدة المحجوز عليه بتاريخ تبليغه الامر بالحجز لدى الغير.
II ـ بخصـــوص قيمـــة قـــرار محكمـــة النقـــض :
غني عن البيان أنه نتيجة للدور الذي تطلع به محكمة النقض كسلطة عليا تتولى مهمة مراقبة التطبيق السليم للقانون من طرف محاكم الموضوع ، فإن قرار محكمة النقض محل التعليق يتجاوز النطاق المحدود للنازلة الصادر بشأنها.
فمما لا شك فيه أن القرار المذكور يكتسب أهمية قصوى ، غير عادية ، باعتبار أنه بت في مشكلة قانونية و تصدى لإشكال قانوني بحت ، تواجهه المحاكم ، و قد يواجهه أيضا العديد من المتاقضين بمناسبة سلوكهم مساطر الحجز لدى الغير ، الأمر الذي يضفي عليه قوة كبيرة.
و بالرجوع إلى تعليلات القرار محل التعليق ، يلاحظ ان محكمة النقض نقضت القرار الاستئنافي لعدم ارتكازه على أساس ، و خرقه المقتضيات المحتج بخرقها ، بما يعني أن المحكمة مصدرته لم تعتمد في قرارها على تبريرات قانونية سليمة.
مع العلم أن انعدام الأساس القانوني يعد سببا موضوعيا للطعن بالنقض و ليس شكليا ، مما يستفاد منه أن قضاة محكمة النقض تغلغلوا بالبحث في الواقع المعروض عليهم الثابت من خلال تنصيصات القرار المطعون فيه ، و تيقنوا إثر ذلك ، من خرقه لأحكام القانون بعد تيقنهم من توفر الشروط الضرورية و الكافية للفكرة القانونية الوجيهة المؤسس عليها القرار محل التعليق مما يرقى معه إلى مقام السابقة القضائية .
إن ما توصلت اليه محكمة النقض جدير بالتأييد لأنه يوضح أوجه القصور أو الخطأ في تطبيق أحكام القانون من قبل قضاء الموضوع في مسألة دقيقة هي تلك المتعلقة بتحديد المدى الزمني لسريان الحجز لدى الغير التي يتحدد على ضوئها قيام المسؤولية التقصيرية للمحجوز بين يديه ، ومن ثم أتصور أنه سيتصدر معظم المجالات القانونية و سيحظى بالتعاليق التي تتناسب و أهمية المبادئ التي رسخها.
← الرجوع إلى جميع المقالات