نفاذ القانون الامريكي وعبوره للقارات
لا زالت تداعيات قرار الرئيس ترامب بالخروج عن الاتفاق النووي مع ايران تتناسل علي مستوي اثاره عليها وعلي دول الاتحاد الاوروبي التي وجدت نفسها مهددة بالخضوع هي الاخري الي العقوبات التي أعلن عنها ترامب في حالة عدم قطعها علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع طهران؛ ويبدو واضحا من مجريات الأمور انها تتعرض لاختبار كبير لتحديد كيفية التعاطي مع القرار المذكور، بالنظر لمحدودية عناصر القوة الأوروبية.
ففي هذه الزاوية ، يكمن التحدي الأكبر الذي يواجهه الاتحاد الاوروبي ، سيما وانه لم يستطع انشاء قوة سياسية وعسكرية مستقلة لها وزنها، وسيما ايضا ان مصلحة دول الاتحاد تستدعي عدم التضحية بمصالحها الاقتصادية مع ايران التي انتعشت علي نحو ملموس منذ رفع العقوبات عنها سنة 2015.
ولعل ما يزيد في ارتباك الموقف الاوروبي عدم توفر دول الاتحاد علي ترسانة قانونية قوية وفعالة تستطيع مواجهة مثيلتها الامريكية الجبارة، لحماية المقاولات الأوروبية النشيطة بايران من آثار العقوبات الامريكية الموما اليها.
لقد تبين مؤخرا للقيادة الأوروبية مدي الحاجة الي الترسانة المذكورة لمجابهة آثار القوة العاتية للعقوبات الامريكية، وما يمكن تسميته بآثار “الحرب الباردة المالية”التي فرضتها الادارة الامريكيةعلى ايران بضغط قوي من اللوبي الصهيوني، وهو امر ليس من السهولة بمكان امام القوة الامريكية الماحقة، من جهة، ومن الخبرة الهامةالتي راكمتها الادارة المذكورة خلال العقود الاخيرة من خلال استعمالها وتوظيفها القانون سلاحا فاعلا وبديلا للفتك بالقوي المعادية سيما بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية،من جهة اخري.
وليس من المبالغة القول ان الولايات المتحدة استطاعت تصدير قوانينها نحو أوروبا، وأخذت بها عدة دول اخري، سيما علي مستوي التشريعات الناظمة للاسواق المالية، وهي مسالة طبيعية ناتجة عن عولمة الاقتصاد.
ومنذ بداية السنوات التسعينات ، وبدايات الحركات الإرهابية ، اخذت التشريعات الامريكية في الظهوربل والتمددبهدف محاربة الاٍرهاب وانتشار الأسلحة النووية، وايضاً محاربة الفساد، وتبييض الأموال، والجريمة المنظمة، وهو ما استدعي تدخل الابناك، وفرض قواعد تدبيريه صارمة، بايعاز من الادارة الامريكية، التي قامت بسن معايير فنية دقيقة في هذا المضمار، سرعان ما تم تطبيقها من الابناك الأوروبية، بل وايضاً من طرف دول اخري، وهو ما يعني تمديد تطبيق القانون الامريكي الي خارج الولايات المتحدة الامريكية، فاضحي عابرا للقارات.
ولا باس من الإشارة في هذا الصددان عددا من الشركات الأوروبية اضطرت لأداء ما يقرب من 40 مليار دولار للولايات المتحدة الامريكية في السنين الاخيرة ، لاتهامها من طرف الادارة الامريكية بعدم احترام العقوبات التي فرضتها علي عدد من الدول.وهو برهان قاطع علي ان تلك الدولة تفرض علي أوروبا احترام قانونها الداخلي ، وهذا هو جوهر الأشكال المطروح علي طاولة القادة الأوربيين امام التحدي الذي فرضه الرئيس ترامب في مواجهتها، بمعني انه لم يترك لها من هامش للاختيار سوي الامتثال لارادة ادارته ، دون ان يبدو في الأفق ما يفيد جدوي المجابهة الفرنسية او الألمانية لقرارات المقاطعة الامريكية، رغم ما قد يبدو من خلال ظاهر اعلان صوفيا الأخير الذي سيظل حبرا علي ورق امام تضعضع الموقف الاوروبي بشكل عام.، وهو ما يبدوجليامن خلال شروع عدد من الشركات الأوروبية في مغادرة ايران، مثلما هو حال الشركة الدانمركية الضخمة ( مانسك)وشركة طوطال الفرنسية..ا
سبق للمشرع الفرنسي ان انتبه لظاهرة عبور القانون الامريكي للقارات، ان صح القول، وتم تقديم تقرير الجمعية الوطنية الفرنسيةبجلسة 5/10/2016 من طرف عدد من النواب تطرق للموضوع بإسهاب ، وهو منشور علي موقع الجمعية.
من ضمن ما أورده التقريران الادارة الامريكية تفرض علي المقاولات الأوروبية تقديم عدد من الوثائق صادقةحول أنشطتها، وواجب التعاون المباشر ودون أدني تحفظ ، وتقديم بيانات مدققة حول وضعيتها، ومدي تعرضها لاختلال من عدم، بما يعني تقديم ادلة قد تستعمل ضد مصالحها لاحقا، كما تضمن التقرير عددا من حالات العقوبات المالية الثقيلةالتي فرضتها الادارة الامريكية علي شركات أوروبية بناءا علي تشريعات أمريكية ، الامر الذي يثبت مدي تغول الامريكي.
ولعله من المفيد الإشارة في هذا الصدد الي القانون الامريكي ( جاستا)ألذ ي يعني العدالة في مواجهة داعمي الاٍرهاب ، الذي أقر بحق ضحايا تفجيرات 10 سبتمبر 2001 الإرهابية مقاضاة أية جهة حتي ولو كانت دولة امام القضاء الامريكي ، وارتكزت السلطات الامريكية في هذا الصدد علي أحقيتها في حماية مختلف مصالحهاومواطنيها، ، وهو ما اعتبرته عدةجهات ، وعن صواب، ان المستهدف الاول به هي السعودية، مما يجعل إدارة ترامب في حرج امام الدعاوى التي رفعها عدد من المتضررين ضد السعودية امام المحاكم الامريكية التي لا سلطة لترامب عليها.
والآن وبعد ذهاب الرئيس أوباما الذي كان قد عارض بشدة القانون المذكور ، وفرضه الكونغرس رغم ذلك، ومجيئ إدارة ترامب ، فانه يبدو مثيرا للملاحظة والدهشة ان المستهدف الحقيقي بالقوانين الامريكية العابرة للقارات والعقوبات هي ايران، ومن الاحكام القضائية الامريكية،هي السعودية ،وهما من اكبر الدول الاسلامية، دون ان تنتبها ان مصلحة الأمة تستوجب تلاحمهما ، بدل السقوط في الفخ الامريكي الهادف الي إشعال الحرب بين الاشقاء، وتدمير ما تم بناؤه من بنية تحتية وغيرها ليشملهما، لا قدر الله ، ما لحق العراق وسوريا من دمار وتقتيل، ليحقق الامريكي مصالحه ، علي حساب شعوب المنطقةالمنهكة من الحروب والتخلف،ارباحا مضاعفة من خلال بيع السلاح ومن استثمارات لاحقة ، في اعادة التعمير.
← الرجوع إلى جميع المقالات